في يوم العاشر من شهر ديسمبر تحل الذكرى الثانية والستون للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. فتنهض الشعوب الحرة من كبوتها من خلال توطيد نضالاتها وبذل تضحياتها التي من أجلها سعت إلى انتزاع حقوقها انتزاعا، وفي سبيلها استنهضت هممها واستلهمت إرادتها من معين إرادة طالبي الحرية والكرامة الإنسانية في كل مكان.. بحسب ما يبرز النقيض لتلك الإرادة الحرة المتمثل هذا (النقيض) في سياسات الحكومات حين استئسادها على شعوبها، وتضييق الخناق حول أعناقها ومصادرة حرياتها واستلاب كرامتها، وهدر حقوقها وسرقة مقدراتها، عبر ترسيخ هذه الحكومات سلطاتها وتعزيز تعسفاتها المتجسدة حيويا في فتح المزيد من السجون والمعتقلات التي يتجاوز عددها عدد المدارس والمستشفيات والجامعات ومراكز البحوث والدراسات وحدائق ومتنزهات الأسر والأطفال.. ذلك كله من أجل الزج في تلك المعتقلات.
ومثلما يمثل هذا اليوم العظيم للإعلان العالمي لحقوق الإنسان امتدادا لنضالات أصحاب (الرأي والفكر والعلم) من الفلاسفة والمبدعين والمفكرين بتضحياتهم بالغالي والنفيس بل حتى بحياتهم في حملهم أرواحهم على أكفهم التي تميزت بجلاء في نسج تلك الملاحم البطولية والمضيئة خلال عصري التنوير والنهضة وعصر الثورتين الصناعية والاشتراكية وفي مقدمة أولئك العظماء (روسو وفولتير وديكارت وماركس وأنجلز وهيجل ولينين).. فإن الأنظمة الأوروبية الرسمية اليوم قد حملت عنوانا لاستبداد أعتى الأنظمة على الإطلاق والمتجسدة مفاهيم هذا العنوان في تلك الخطوة المخزية التي اتخذتها دول أوروبية في تصديرها منتجات مرعبة إلى مختلف الدول الدكتاتورية وهي أدوات التعذيب المتمثلة في أجهزة تقييد الأيدي والأرجل وأدوات تثبيت بالجدران تطلق صعقات كهربائية بشدة (50) ألف فولت على المسجونين والمعتقلين.. ذلك بحسب ما نشرته صحافتنا المحلية في الآونة الأخيرة.
إذاً ليس هناك ما يثير الغرابة أن تتبنى هذه الدول الغربية تلك الخطوة المخزية السالفة الذكر.. لكون هذه الأنظمة الأوروبية قد شوهت فيما مضى أفكار ومبادئ تلك الكوكبة المضيئة من عظمائها وفلاسفتها وعباقرتها.. ولطالما الإدارات البريطانية غرقت في أوحال مستنقع مؤامراتها الاستعمارية هي حينما غزت فلسطين وصادرت وطنا بأكمله ومنحته للعصابات الصهيونية التي احتلت أرضا واقتلعت شعبا من وطنه وأرضه، ومن ثم تشريده في المنافي وتهجيره في الشتات.. منذ وعد وزير خارجية بريطانيا ارثر بلفور الأسود عام 1917 مرورا بانتدابها على فلسطين عام 1924 وتواصلا بإعلان النكبة في ليلة 15 مايو 1948 .
وتأتي مخططات الإدارات الأمريكية الغازية لتدعم المؤامرة البريطانية الصهيونية في فلسطين وخاصة خلال إدارات ترومان وولسون وروزفلت باستمرائها العبودية لسلطة منظمة إيباك الصهيونية وخضوعها لطائلة احتكارات الرساميل اليهودية الكبيرة من أجل استئثار هذه الإدارات الأمريكية وأولئك الرؤساء بالمصالح السياسية والمكاسب الانتخابية.
من هنا يأتي الدعم العسكري الأمريكي للكيان الصهيوني بأحدث الأسلحة الأمريكية الذي بدور هذا الكيان هو تفنن عصاباته في التمثيل بالشعب الفلسطيني المناضل خلال عمليات التشريد والتهويد وهدم المنازل وتكسير العظام والتعذيب في أقبية السجون والمعتقلات وتوسيع رقعة الاحتلال ومساحات الاستيطان.
وهكذا هي الأنظمة الدكتاتورية الأخرى لا تختلف سياساتها الاستبدادية عن دكتاتورية وسياسة دويلة الكيان الصهيوني الغازية لفلسطين.. لطالما الحكومات الاستبدادية لدى دول العالم الثالث صادرت حريات شعوبها واستلبت كرامتها وأهدرت مقدراتها وسرقت خيراتها في ظل غياب الحريات السياسية والعدالة الاجتماعية والمساءلة الشعبية والدستورية والبرلمانية بحسب ما أخضعت هذه الشعوب لطائلات أبشع الجرائم الأمنية و(البوليسية) والاستخباراتية لأنظمة أوتوقراطية خارجة عن التاريخ دأبت على بسط سياساتها على تكميم الأفواه وشل الألسن، وقمع الكلمة الحرة، وإسكات الآراء الوطنية وكسر الأقلام الشريفة.
ولعل التقرير الصادر عن المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة لهيئة الأمم المتحدة في أكتوبر 2010 هو خير شاهد على ذلك.. هو حينما كشف التقرير عن أفظع الجرائم التي ارتكبتها جمهورية الكونجو الديمقراطية ) زائير سابقا)، إذ يقول التقرير: “إن جرائم إبادة تشكلت في جمهورية الكونجو الديمقراطية من يوليو 2008 إلى يونيو 2009 (617) جريمة خطرة أسفرت عن عشرات القتلى المدنيين من 1993 إلى 2003”.
وثمة التقارير السنوية والدورية الصادرة عن هيئات ومنظمات حقوق الإنسان العربية والدولية وعلى رأسها منظمة العفو الدولية تتحدث عن ارتكاب الأنظمة وفي مقدمتها النظام الإيراني أبشع الجرائم بحق شعوبها، منها سقوط العشرات من الوفيات أحيانا تصل إلى المئات أحيانا أخرى في أقبية السجون الرهيبة لمناضلين وأصحاب رأي وضمير.. بحسب ما يقبع الكثير من المعتقلين السياسيين في زنازين تلك المعتقلات المظلمة أعواما طويلة من دون محاكمة.
وفي ظل هذه الأجواء السياسية في الدول والمشحونة بمظاهر الخوف والرعب والبطش والترهيب فإنه ليس من عزاء للشعوب المناضلة والمعذبة والمضطهَدة على حد سواء سوى استلهام إرادتها من معين يوم العاشر من شهر ديسمبر بحسب ما يستنهض المناضلون وطالبو الحرية في كل مكان من إضاءات الذكرى الثانية والستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان هممهم وعزائمهم من أجل تقرير مصائرهم وتحقيق طموحاتهم وأحلامهم وأهدافهم..
فسلام لرسل الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية.. والمجد للشعوب المتألقة بنضالاتها وبتضحيات قواها ورموزها ومعارضتها الوطنية والتقدمية من أجل انتزاع حرياتها المستلبة واستعادة حقوقها المصادرة والمهدرة..
وطوبى لكل من استشهد في سبيل الوطن. ولكل من رحل من أجل حرية الكلمة وحرية القلم.. الذين هم أسماؤهم وعطاءاتهم وتضحياتهم جميعا تضيء سماء الحرية والأجواء المجتمعية والجماهيرية مع كل إضاءة من الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
أخبار الخليج 10 ديسمبر 2010