من واقع تجربة المشاركة في العديد من المؤتمرات والندوات وورش العمل والحلقات المستديرة التي تناقش ما يمكن أن نطلق عليه قضايا الساعة في العالم العربي، يتكون انطباع أخذ في التعزز مع الوقت مفاده أن ما ينقص ثقافتنا هو غياب التراكم والتأصيل للأمور، وبالتالي تجدنا أسرى لتكرار البدايات .
فالمفردات والمحاور والموضوعات التي تناقش في هذه الأنشطة متشابهة إلى حد الضجر، وعندما يفكر منظمو الندوات أو الملتقيات المعنية في وضع محاور البحث والمناقشة فيها يتصرفون كأن الموضوع يبحث للمرة الأولى، فينطلقون من أولى البدهيات، ليكون الناتج أن المشاركين في تلك المؤتمرات والندوات يكررون ما سبق أن قالوه هم أنفسهم في ندوات مشابهة سابقة أو قاله سواهم في أنشطة أخرى .
ومن النادر أن تبنى ندوة أو مؤتمر على خلاصات أو نتائج مؤتمر آخر سبقها، لينطلق منها نحو آفاق جديدة غير مسبوقة أو غير مدروسة تحتاج للدراسة والتأصيل، لتحقيق الإضافة على ما سبق أن قيل أو بحث، والانطلاق، بالتالي، من هذه الإضافة، هي الأخرى، نحو أفق جديد .
التراكم وحده معيار الإنجاز، ذلك أن الأمور الحاسمة في ميادين الفكر والنشاط الإنساني الخلاق لا تتحقق دفعة واحدة، إنما بالتراكم الذي يفضي، مع الزمن، إلى تحولات نوعية، وهو الأمر الذي تكشف عنه التجربة الإنسانية المديدة، والتراكم لا يتحقق بالتكرار، وإنما بالإضافة لما هو منجز أو قائم، حتى لو كانت هذه الإضافة محدودة، فإن أهميتها تنبع من كونها خروجاً عن المراوحة في الدائرة المكرورة .
ليس غريباً بعد ذلك، أن تغدو أنشطتنا الفكرية عاجزة عن أن تحدث النقلة المنشودة في مجال تطوير استجاباتنا لما حولنا من تحديات، لأنها تظل تطرح الأجوبة ذاتها على أسئلة سبق أن طرحت مراراً، أي أنها تخفق في إثارة أسئلة جديدة، أو على الأقل مقاربة إجابات مختلفة على أسئلة مثارة، غير تلك الإجابات المتداولة، والتي تتحول، مع التكرار، إلى كليشهات أو إلى “دوغما” فيها من البلادة والخمول والكسل، أكثر مما فيها من اليقظة والحيوية والجدة .
إن الركون إلى ما قيل سابقاً مراراً من دون التبصر في محتواه يصبح مع الزمن عائقاً بوجه تطوير المعرفة، وبوجه اجتراح الأدوات والسبل المفضية إليها، خاصة عندما يتصل الأمر بواقع شديد التعقيد، والتشويه أيضاً، مثل واقعنا العربي .