هناك عادة حكومية ألفناها، حين تنوي الدولة الإقدام على خطوة ما تسبقها بإطلاق ما يشبه المجسات أو بالونات الاختبار، لقياس مدى ردود الفعل المتوقعة إزاء هذه الخطوة او تلك في حال إن تمت، وعلى ضوء ذلك تقرر ما المطلوب الإقدام عليه.
ومن ذلك التوجه الحكومي بإلغاء الدعم المقدم للسلع الغذائية الأساسية ومشتقات النفط في العام المقبل، وهذا التوجه جاء على شكل إعلان أطلقه وزير المالية، مما أعاد إلى أذهاننا ما كانت الحكومة قد أعلنت عنه نهاية العام الماضي، حين قيل أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن توفر لخزينة الدولة أكثر من 100 مليون دينار.
لكن مسالة بهذه الخطورة لا يمكن الإقدام عليها هكذا خبط عشواء، فلو أن الحكومة أخذت بمثل هذا التوجه من دون دراسة موضوعية وشاملة لجوانبه المختلفة، في الظروف الخاصة ببلادنا، فإنها ستكرر الخطأ الجسيم الذي وقعت فيه الكثير من الحكومات التي استهوتها وصفات البنك الدولي ورديفه صندوق الدولي وغيرها من المؤسسات الاقتصادية الدولية، لأن هذا الإجراء سينعكس بشكل سلبي على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، والتي شهدت تدهوراً مخيفا لأوضاعها خلال السنوات الأخيرة، ازداد بما أحدثته الأزمة المالية والاقتصادية العالمية من آثار سلبية أضحت واضحة لدى الجميع.
ما نحتاجه من قبل الدولة هو أن تدخل في مصارحة مع المجتمع، ومع السلطة التشريعية ومؤسسات المجتمع المدني حول الخطوات المصيرية التي تنوي الإقدام عليها، خاصة إذا كانت تطال مصالح القطاعات الأوسع من المجتمع كما هو حال التوجه بإلغاء الدعم الحكومي أو إعادة توجيهه كما يُقال.
فهو توجه يطرح تساؤلات جدية أمام توقيته ومدى جدواه، وفيما إذا اخضع لدراسة معمقة من قبل الحكومة، خاصة مع التحسن المضطرد في أسعار النفط وانخفاض عجز الموازنة العامة إلى أكثر من النصف ونسب التضخم التي لا زالت تبدو تحت السيطرة من خلال المؤشرات المعلنة.
ما نحن بحاجة اليه هو وضع حلول عملية للارتقاء بالفئات الفقيرة والمتوسطة بالمجتمع باعتبارها المحرك الأساس لعجلة الاقتصاد والتنمية، الأمر الذي يستدعي ضرورة الاهتمام بأوضاعها بوضع الخطط والحوافز للارتقاء بها لتأخذ دورها في عملية التنمية الشاملة.
وقد أثبتت التجربة أن الرضوخ لمطالبات المؤسسات الدولية من دون النظر لطبيعة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين ولحالة الاقتصاد بشكل عام، سيدفع الى حال من الإفقار لفئات جديدة، وزيادة أوضاع الفقراء تردياً.
وإذا كان هناك حاجة للنظر في سياسة الدعم فان الحل الأمثل يكمن في إعادة هيكلة تلك السياسة بما لا يمس من مكتسبات الفئات الفقيرة والمتوسطة، خاصة مع أهمية أن يسبق ذلك تعريف رسمي واضح لخط الفقر في البحرين.
وعلى صلة بذلك نذكر بالمطالبات المستمرة لتفعيل دمج هيئتي التقاعد والتأمينات بما يضمن حسن إدارة وتعزيز المركز المالي للهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية وزيادة عوائدها الاستثمارية وتوجيه استثماراتها على أسس أكثر ربحية وبطرق ووسائل أكثر حرفية بما يرمي للحفاظ على مدخرات المؤمن عليهم ومستحقاتهم التقاعدية، وسرعة حسم الكثير من القضايا التي لا تزال محل أخذ ورد بالنسبة لتوحيد المزايا التقاعدية للمشتركين، وهو المشروع الذي طال انتظاره من قبل شرائح واسعة من المشتركين.