في البيان الأخير الصادر عن اللجنة المركزية للمنبر التقدمي الديمقراطي، تمت الإشارة إلى ما انتهت إليه الانتخابات الأخيرة من نتائج، على الصعيد الوطني العام وعلى صعيد العلاقة مع القوى السياسية المختلفة، إضافة إلى القضايا التنظيمية والمعيشية والسياسية الأخرى، وكان واضحاً من الفقرة المخصصة للانتخابات وللعلاقة مع القوى السياسية الأخرى أن الإخوة في المنبر قد استخلصوا الدرس الذي كان يجب استخلاصه منذ البداية، خاصة بعدما عاينوا بأنفسهم بعض الإشكالات السياسية والتنظيمية في هذه العلاقة الغريبة وغير مبدأية مع بعض القوى التي اختارت للعمل السياسي سياقاً طائفياً خالصاً.
لعل هذه الخلاصة المتوقعة سوف تساعد في المستقبل على توجيه جل العناية إلى ‘تقوية خيار البديل الوطني وترسيخ مكانته في المجتمع، مع كافة القوى والشخصيات الوطنية المقتنعة بهذا البديل والمستعدة للعمل في سبيله’، على حد تعبير البيان، وقد كان لافتاً في هذا الجانب تحديداً 3 نقاط رئيسية:
الأولى؛ تتعلق باستخلاص النتائج من مجريات الانتخابات الأخيرة والتحرر من أوهام التحالف مع النقيض الأيديولوجي، فبقدر ما كانت الحملة الانتخابية فرصة للمنبر التقدمي للتعريف ببرنامجه في مجال الإصلاح السياسي والبناء الديمقراطي والوحدة الوطنية ‘فإن التجربة الانتخابية قد كشفت، بمجرياتها وتحالفاتها، وتحولاتها، ومفاجأتها، هشاشة التحالف السداسي والرباعي، وأن الحقيقة المرة أن لحظة الانتخابات قد جردت بإغراءاتها بعض القوى السياسية، من بلاغة البيانات، ومن فنون المجاملات وتبادل النفاق العام، وأظهرتها على حقيقتها، عامة، حيث تعرض مرشحو المنبر الديمقراطي المنافسين لقائمة الوفاق على حملة من التعريض والتشهير والإساءة بحقهم تجاوزت حدود القيم المرعية في العلاقات السياسية العادية بين الأحزاب والجمعيات، فما بالك مع تلك المصنفة حليفة بمعنى من المعاني، حيث ‘لم يتورع المنافسون – الذين يفترض أنهم حلفاء، عن اختلاق الأكاذيب والافتراءات، والتجاوز الفاضح لأخلاق المنافسة الانتخابية الشريفة، ولولا هذه الحملة لأمكن لمرشحي القائمة أن يفوزوا في بعض الدوائر’ كما جاء في البيان.
النقطة الثانية؛ تتعلق بالاعتراف بوجود نوع من القصور الذاتي أو التقصير من جانب قوى التيار الديمقراطي، من حيث مدى استعداده للانتخابات، وبناء قدراته وتفعيل خطابه، ومن حيث علاقته بالجمهور ومن حيث ‘غياب الاتفاق على رؤية مشتركة لخوض هذه الانتخابات، وغياب حتى الحد الأدنى من التنسيق فيما بين قوى التيار الديمقراطي في هذا المجال.
النقطة الثالثة؛ والأهم في تقديري تتعلق باستخلاص الدروس من التجربة الانتخابية الأخيرة، بالتأكيد على حاجة هذا التيار الديمقراطي إلى إبراز وجهه المستقل، سياسياً وفكرياً وهذا يحتاج إلى إجراء مراجعة شاملة وعقلانية لصيغ التنسيق القائمة بين جمعيات المعارضة بعدما تأكد عقم التحالفات الحالية وتأكد أن البعض يستغل البعض لإدارة الصراع أو الحملات ولكن في لحظات الحقيقة يعود كل إلى قواعده ومراجعه ويحتكم إلى مصالحه الضيقة.
إضافة إلى هذه النقاط الثلاث الأنفة الذكر والتي تؤكد تطوراً ملحوظاً في خطاب طرف مهم من التيار الديمقراطي، فإننا نتطلع إلى أن يقوم الإخوة في ‘وعد’ بمراجعة مماثلة، بما يساعد على إعادة بناء التيار الديمقراطي وتوحيده، حيث يبدو واضحاً أن الفرصة قد أصبحت مواتية لتفكيك الخطاب السياسي الديمقراطي، بغرض التوصل إلى فهم آلياته ومؤدياته وحدوده وجمهوره وأولياته، خاصة وأن هذا الخطاب يؤثر بدرجات متفاوتة على مجمل المشهد الوطني، فإذا كان الخطاب الامتثالي ضرباً من تجميد السائد، فإن استمرار الاقتصار على تبني خطاب احتجاجي مفرغ من العمق البرنامجي، يصبح بدوره عقبة مظللة على المهام التاريخية لتكريس المسار الديمقراطي، باعتباره قائماً على جملة من الشعارات التي تفقد بريقه كلما تلبست بأشكال مختلفة من الإسقاط واللاواقعية
جريدة الوطن 3 ديسمبر 2010