باعتقادي أن النتائج الأولية التي اظهرها الاعلان الرسمي الأخير حول التعداد السكاني التاسع في البحرين، والذي أظهر بدوره تفاصيل مثيرة الى حد كبير في العديد من جوانبه، خاصة فيما يتعلق بالقفزة الهائلة في عدد السكان وتباين نسب نموه والتوزيع المناطقي والحضري للمملكة، على الرغم من انها لم تكن قفزة مفاجئة لغالبية أهل البحرين، حيث اضحت معالم التغييرالديموغرافي واضحة ومنذ سنوات، وقد انعكست على ما قامت وتقوم به الدولة من برامج ومشاريع لمسايرة تلك الزيادة المطردة في عدد السكان.
لكن من الخطأ أن تمر نتائج التعداد السكاني مرور الكرام على صانعي القرار والمهتمين في بلادنا أو ان تعتبر عملا دوريا يدخل ضمن التزامات البحرين المحلية والاقليمية وبالتحديد التزامها بقرارات مجلس التعاون الخليجي في دورته الثانية والعشرين التي عقدت بمسقط العام 2001 وتزامنا مع بدء بقية دول مجلس التعاون في إجراء التعداد السكاني لديها.
وبغض النظر عن التفاصيل الفنية والأجرائية التي أجري على اساسها التعداد والمتوافقة بحسب ما ذكره محمد العامر رئيس الجهاز المركزي للمعلومات مع الإشتراطات والمعايير التي وضعتها الأمم المتحدة، الا ان المتتبع للتزايد المضطرد في عدد السكان ونسبه المعلنة تنتابه جملة من الأسئلة التي ربما يعجز عن الاجابة عليها، وهي اسئلة مرتبطة اساسا بمستقبل ومفهوم ما أصبح متعارفا عليه بالتنمية الشاملة، وهو مفهوم يتجاوز كما هو معروف المفهوم الضيق المحصور في التنمية الاقتصادية لوحدها، ليذهب بنا بعيدا للتساؤل حول حاضر ومستقبل ما يطرح راهنا من مشاريع ورؤى لعل ابرزها واهمها رؤية البحرين 2030 وكيف ستتعاطى مع هكذا مستجدات، فقدات بات تحقيق تلك الرؤية بالفعل على المحك أمام تزايد التحديات التنموية أمام صانعي القرار والجهات المعنية بتحقيقها على ارض الواقع وخلال اقل من عشرين عاما من الآن، فعندما يخبرنا التعداد السكاني مثلا ان عدد سكان البحرين اصبح مليون و 234 الفا نسبة البحرينيين فيهم 46% مقابل 54 % للاجانب فهذا تحد كبير وله مؤشرات ودلالات، وليت الأمر يقتصر فقط على النسبة ولكن الأبعد منه ما تعنيه النسبة من زيادة مضطردة وضغط عل الكثير من الخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها وغيرهم! والى اي مدى يمكن مقارنتها بما تقدمه بالمقابل تلك النسبة العالية من الأجانب للتنمية والاقتصاد من عوائد وقيمة مضافة، والمؤشر الآخر الذي يجب ان نستعد لنتائجه سريعا هو نسبة البحرينيين للفئة العمرية الأقل من 15 سنة والتي بلغت 8و31% وماذا يوجد في جعبة الدولة لتقدمه لهم من خدمات واحتياجات ضخمة بالفعل خاصة ما يتعلق بالخدمات التعليمية والصحية والمعيشية، فهل ستكون الدولة بمواردها المحدودة قادرة على ان تفي باحتياجات هذه الفئة بالاضافة الى بقية الفئات، خاصة وأن من هم بين سن 15-64 سنة يمثلون ما نسبته 64%، ونحن نعلم جيدا حجم الخدمات المطلوبة لهذه الشريحة الواسعة من السكان، حيث الحاجة للوظائف والتعليم الجامعي والأجور ومن بعدها يأتي الاستحقاق التقاعدي والتطبيب، حيث تصبح الحاجة لنظام تقاعدي متين وراسخ ضرورة ملحة لا تقبل التأجيل أبدا نظر لما يرتبط بتلك الجوانب المهمة من تبعات اجتماعية واقتصادية وأمنية وحتى صحية هي في النهئية عبء مضاعف على الدولة عليها الاستعداد له جيدا قبل فوات الأوان! اضف الى ذلك أن النتائج اظهرت نسب نموعالية للسكان الأجانب تحديدا والبحرينيين ايضا بمعدل مرتفع جدا يكاد يصل الى 5،7% وهي نسبة تبتعد كثيرا عن معدلات النمو الاقتصادي المعلنة رسميا والتي لا تتجاوز الأربعة في المائة في الوقت الراهن!
ارقام وحقائق بالفعل مخيفة، وما يجعلها كذلك هو عدم وضوح رؤية تجاه التعاطي معها، مما يعني أن الاسترخاء في التعاطي الرسمي والمجتمعي مع مقتضياتها وتداعياتها القادمة حتما سيضاعف من فاتورة اصلاحها، فهل لنا من وقفة جادة ومسؤلة تجاه كل ما عرض من ارقام وحقائق؟ فلم تعد زيادة أعداد الأجانب هي مجرد عامل نفسي أو تنافسي في سوق العمل، فمؤشرات التنمية لدينا لا تقبل ان تصدق بضرورة الحاجة لهذا الحجم المهول والمتزايد للاجانب عاما بعد آخر، علاوة على أن حجم الاستثمارات والأعمال التي من الممكن تبرر بسببها تلك الزيادة ليست بهذه الدرجة بالإضافة إلى أنه لم تحسم الكثير من خياراتها المستقبلية بعد فيما يتعلق باستحداث انظمة للتقاعد وللضرائب وللتوظيف والإحلال ولحجم العمالة الوافدة ولنسب النمو المنتظرة وكيفية بلوغها وللتحديات القادمة في سوق العمل ولجودة التعليم والخدمات الصحية ومشاريع البنية التحتية ونظام المواصلات وخدمات الكهرباء والماء، واستيراد الغاز المطلوب للتنمية المنتظرة، وتنويع الموارد الإقتصادية.. وكل ذلك يحتاج ألى أكثر من مساهمة وأكثر من التخطيط ليدخل في طبيعة وهوية الدولة ومستقبلها وخياراتها القادمة وطبيعة الاقتصاد وعناصر التنمية فيها!!
صحيفة الايام
8 ديسمبر 2010
لكن من الخطأ أن تمر نتائج التعداد السكاني مرور الكرام على صانعي القرار والمهتمين في بلادنا أو ان تعتبر عملا دوريا يدخل ضمن التزامات البحرين المحلية والاقليمية وبالتحديد التزامها بقرارات مجلس التعاون الخليجي في دورته الثانية والعشرين التي عقدت بمسقط العام 2001 وتزامنا مع بدء بقية دول مجلس التعاون في إجراء التعداد السكاني لديها.
وبغض النظر عن التفاصيل الفنية والأجرائية التي أجري على اساسها التعداد والمتوافقة بحسب ما ذكره محمد العامر رئيس الجهاز المركزي للمعلومات مع الإشتراطات والمعايير التي وضعتها الأمم المتحدة، الا ان المتتبع للتزايد المضطرد في عدد السكان ونسبه المعلنة تنتابه جملة من الأسئلة التي ربما يعجز عن الاجابة عليها، وهي اسئلة مرتبطة اساسا بمستقبل ومفهوم ما أصبح متعارفا عليه بالتنمية الشاملة، وهو مفهوم يتجاوز كما هو معروف المفهوم الضيق المحصور في التنمية الاقتصادية لوحدها، ليذهب بنا بعيدا للتساؤل حول حاضر ومستقبل ما يطرح راهنا من مشاريع ورؤى لعل ابرزها واهمها رؤية البحرين 2030 وكيف ستتعاطى مع هكذا مستجدات، فقدات بات تحقيق تلك الرؤية بالفعل على المحك أمام تزايد التحديات التنموية أمام صانعي القرار والجهات المعنية بتحقيقها على ارض الواقع وخلال اقل من عشرين عاما من الآن، فعندما يخبرنا التعداد السكاني مثلا ان عدد سكان البحرين اصبح مليون و 234 الفا نسبة البحرينيين فيهم 46% مقابل 54 % للاجانب فهذا تحد كبير وله مؤشرات ودلالات، وليت الأمر يقتصر فقط على النسبة ولكن الأبعد منه ما تعنيه النسبة من زيادة مضطردة وضغط عل الكثير من الخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها وغيرهم! والى اي مدى يمكن مقارنتها بما تقدمه بالمقابل تلك النسبة العالية من الأجانب للتنمية والاقتصاد من عوائد وقيمة مضافة، والمؤشر الآخر الذي يجب ان نستعد لنتائجه سريعا هو نسبة البحرينيين للفئة العمرية الأقل من 15 سنة والتي بلغت 8و31% وماذا يوجد في جعبة الدولة لتقدمه لهم من خدمات واحتياجات ضخمة بالفعل خاصة ما يتعلق بالخدمات التعليمية والصحية والمعيشية، فهل ستكون الدولة بمواردها المحدودة قادرة على ان تفي باحتياجات هذه الفئة بالاضافة الى بقية الفئات، خاصة وأن من هم بين سن 15-64 سنة يمثلون ما نسبته 64%، ونحن نعلم جيدا حجم الخدمات المطلوبة لهذه الشريحة الواسعة من السكان، حيث الحاجة للوظائف والتعليم الجامعي والأجور ومن بعدها يأتي الاستحقاق التقاعدي والتطبيب، حيث تصبح الحاجة لنظام تقاعدي متين وراسخ ضرورة ملحة لا تقبل التأجيل أبدا نظر لما يرتبط بتلك الجوانب المهمة من تبعات اجتماعية واقتصادية وأمنية وحتى صحية هي في النهئية عبء مضاعف على الدولة عليها الاستعداد له جيدا قبل فوات الأوان! اضف الى ذلك أن النتائج اظهرت نسب نموعالية للسكان الأجانب تحديدا والبحرينيين ايضا بمعدل مرتفع جدا يكاد يصل الى 5،7% وهي نسبة تبتعد كثيرا عن معدلات النمو الاقتصادي المعلنة رسميا والتي لا تتجاوز الأربعة في المائة في الوقت الراهن!
ارقام وحقائق بالفعل مخيفة، وما يجعلها كذلك هو عدم وضوح رؤية تجاه التعاطي معها، مما يعني أن الاسترخاء في التعاطي الرسمي والمجتمعي مع مقتضياتها وتداعياتها القادمة حتما سيضاعف من فاتورة اصلاحها، فهل لنا من وقفة جادة ومسؤلة تجاه كل ما عرض من ارقام وحقائق؟ فلم تعد زيادة أعداد الأجانب هي مجرد عامل نفسي أو تنافسي في سوق العمل، فمؤشرات التنمية لدينا لا تقبل ان تصدق بضرورة الحاجة لهذا الحجم المهول والمتزايد للاجانب عاما بعد آخر، علاوة على أن حجم الاستثمارات والأعمال التي من الممكن تبرر بسببها تلك الزيادة ليست بهذه الدرجة بالإضافة إلى أنه لم تحسم الكثير من خياراتها المستقبلية بعد فيما يتعلق باستحداث انظمة للتقاعد وللضرائب وللتوظيف والإحلال ولحجم العمالة الوافدة ولنسب النمو المنتظرة وكيفية بلوغها وللتحديات القادمة في سوق العمل ولجودة التعليم والخدمات الصحية ومشاريع البنية التحتية ونظام المواصلات وخدمات الكهرباء والماء، واستيراد الغاز المطلوب للتنمية المنتظرة، وتنويع الموارد الإقتصادية.. وكل ذلك يحتاج ألى أكثر من مساهمة وأكثر من التخطيط ليدخل في طبيعة وهوية الدولة ومستقبلها وخياراتها القادمة وطبيعة الاقتصاد وعناصر التنمية فيها!!
صحيفة الايام
8 ديسمبر 2010