مرة أخرى تقفز للسطح قضية مستقبل صناديق التـأمينات الاجتماعية، وهي قضية كبرى كثيرا ما يتحاشى الجانب الرسمي وكذلك السلطة التشريعية ملامستها بالجدية المطلوبة وذلك لعدة اعتبارات معلومة، وهي باعتقادي قضية لا يجب أن يتم التعاطي معها باستمرار باعتبارها شأنا ثانويا، كونها تدخل في ضمن نظام الرعاية الاجتماعية الذي يدخل في صلب المسئولية الدستورية للدولة تجاه مواطنيها، الأمر الذي يفرض ضرورة مراجعتها بين فترة وأخرى وذلك تبعاً للحالة العامة للاقتصاد والأوضاع الاجتماعية. ففي المؤتمر الصحفي الأخير للرئيس التنفيذي للهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة كان لافتا تأجيل مسألة غاية في الأهمية، تتعلق بموضوع العجز الإكتواري وكل ما يرتبط بمسألة الوضع المالي للهيئة، وما يرتبط بالموقف من مسألة الاشتراكات التقاعدية في الوقت الذي تبقى القضية محل تردد وتمنّع واضح لدى ممثلي أطراف الإنتاج الثلاثة، وجدوى استمرار الاعتماد على ضخ الدولة لأموال لإطالة عمر تلك الصناديق حتى تستطيع أن تقوم بمسئولياتها تجاه ضمان حقوق المؤمن عليهم، وحيث لا يمكن التكهن بضمان استمرارية هكذا دعم فضلا عن أنها مسألة فيها نظر بكل تأكيد. ونحن نثق أن الدولة، أي دولة والبحرين ليست استثناءً من ذلك، لا يمكن لها أن تهمل إلى ما لا نهاية قضية بهذه الأهمية، نظرا لما لها من انعكاسات متوقعة ومباشرة على مجمل الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
وحتى نكون أكثر إنصافا فإننا لا نستطيع أن نحمل مجلس إدارة هيئة التأمينات الاجتماعية أو حتى إدارتها التنفيذية كامل المسئولية في صياغة ورسم سياسة النظام التقاعدي في البحرين، فالوضع يحتاج إلى قرارات على أعلى مستوى وبما يتماشى مع رؤية البحرين 2030 وغيرها، لكنها كجهة تنفيذية معنية بكل تأكيد بدفع وتهيئة الأطراف الثلاثة ومعهم الرأي العام بأهمية النظر بجدية تجاه هذه القضية الهامة التي نعتقد انه لا مجال لتركها أكثر مما تركت أو تحت رحمة الأوضاع الاقتصادية التي هي بطبيعتها متغيرة، ولا حتى تحت رحمة مجلس النواب وكتله، على اعتبار أن هذه القضية حتما ستتداخل فيها حين يراد طرحها مصالح انتخابية ومزايدات معهودة كثيرا ما تتزامن مع طرح هكذا قضايا، كما أن السلطة التنفيذية لم تعد طليقة اليد كما كانت عليه من قبل للتفاهم مع ممثلي القطاع التجاري حول مسألة مثل الاشتراكات التأمينية، كما كان عليه الوضع في العام 1989 إبان أزمة الوضع الاقتصادي وتراجع أسعار النفط.
مؤخراً فقط تابعنا كيف استطاعت قضية التقاعد أن تثير قلاقل كبيرة في دولة ديمقراطية مثل فرنسا وقبلها في بريطانيا والعديد من الدول الأوروبية والاسكندنافية أيضا، وهناك اخذ ورد في هذه القضية المتوقع لها أن تعجل برحيل حكومة الرئيس سركوزي حتى بعد التحسينات الأخيرة التي ادخلها الرئيس الفرنسي على حكومته، حيث أن تمديد العمر التقاعدي من 60 الى 62 عاما قضية تستحق أن تكون لها مضامين اجتماعية واقتصادية مقلقة للفرنسيين، رغم أنها وضعت ضمن سلة حلول ومحفزات وضعتها الحكومة هناك لإصلاح الوضع التقاعدي وتقوية الأوضاع المالية والعمر الافتراضي للصناديق التقاعدية في فرنسا، كذلك فان حقيقة أن كل صناديق التقاعد في العالم تنظر لفترة 75 عاما للأمام في رسمها لنظامها التقاعدي، هي مسألة يجب أن لا تغيب عن بال احد، وعندما يصبح الحديث مؤجلا ومواربا عن الأوضاع المالية لصناديقنا التقاعدية فعلينا الاستعداد لما هو قادم، وهو أمر يشي بأن علينا ترقب تغييرات فما يجري الآن ما هو إلا محاولة التقاط الوقت المناسب لطرح تلك المعالجات أو بعضها، وهو أمر لا يمكن الاعتراض عليه بطبيعة الحال كونه يتحسس في جوهره ردة الفعل المجتمعية المنتظرة ويتحسب لها.
باعتقادي أن معالجة أوضاع ومستقبل الصناديق التقاعدية في البحرين يحتاج بدلا من التأجيل والتردد، يحتاج إلى مبادرات وخطوات جريئة تقوم بها الدولة ويتفهم غاياتها المجتمع، وهذا الأمر لن يكون ممكنا من دون أن تكون هناك خطوات وبرامج تهيئة ووعي عام بأهمية الحفاظ على الصناديق وإطالة عمرها، ومن الممكن للناس أن يتفهموا ذلك بل ويتعاونوا مع الدولة في وضع تلك الحلول إذا ما اطمأنوا بالفعل إلى أن الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي الجهة المعنية بتقاعد كل البحرينيين في القطاعين العام والخاص قد أصبحت بالفعل تدار بحرفية أكبر، وتوجه استثماراتها بشكل مدروس يعزز مواردها وعوائدها وأصولها بما يقوي مركزها المالي ويُطمئن عشرات الآلاف من المتقاعدين ومن سيدخلون مرحلة التقاعد على مستقبلهم ومستقبل أسرهم، حينها فقط سنجد وعيا يتبعه تعاون متزايد بأهمية ما تنوي الحكومة أن تُقدم عليه من خطوات نعتقد جازمين أنها قادمة لا محالة وإن تأجلت!
صحيفة الايام
24 نوفمبر 2010
وحتى نكون أكثر إنصافا فإننا لا نستطيع أن نحمل مجلس إدارة هيئة التأمينات الاجتماعية أو حتى إدارتها التنفيذية كامل المسئولية في صياغة ورسم سياسة النظام التقاعدي في البحرين، فالوضع يحتاج إلى قرارات على أعلى مستوى وبما يتماشى مع رؤية البحرين 2030 وغيرها، لكنها كجهة تنفيذية معنية بكل تأكيد بدفع وتهيئة الأطراف الثلاثة ومعهم الرأي العام بأهمية النظر بجدية تجاه هذه القضية الهامة التي نعتقد انه لا مجال لتركها أكثر مما تركت أو تحت رحمة الأوضاع الاقتصادية التي هي بطبيعتها متغيرة، ولا حتى تحت رحمة مجلس النواب وكتله، على اعتبار أن هذه القضية حتما ستتداخل فيها حين يراد طرحها مصالح انتخابية ومزايدات معهودة كثيرا ما تتزامن مع طرح هكذا قضايا، كما أن السلطة التنفيذية لم تعد طليقة اليد كما كانت عليه من قبل للتفاهم مع ممثلي القطاع التجاري حول مسألة مثل الاشتراكات التأمينية، كما كان عليه الوضع في العام 1989 إبان أزمة الوضع الاقتصادي وتراجع أسعار النفط.
مؤخراً فقط تابعنا كيف استطاعت قضية التقاعد أن تثير قلاقل كبيرة في دولة ديمقراطية مثل فرنسا وقبلها في بريطانيا والعديد من الدول الأوروبية والاسكندنافية أيضا، وهناك اخذ ورد في هذه القضية المتوقع لها أن تعجل برحيل حكومة الرئيس سركوزي حتى بعد التحسينات الأخيرة التي ادخلها الرئيس الفرنسي على حكومته، حيث أن تمديد العمر التقاعدي من 60 الى 62 عاما قضية تستحق أن تكون لها مضامين اجتماعية واقتصادية مقلقة للفرنسيين، رغم أنها وضعت ضمن سلة حلول ومحفزات وضعتها الحكومة هناك لإصلاح الوضع التقاعدي وتقوية الأوضاع المالية والعمر الافتراضي للصناديق التقاعدية في فرنسا، كذلك فان حقيقة أن كل صناديق التقاعد في العالم تنظر لفترة 75 عاما للأمام في رسمها لنظامها التقاعدي، هي مسألة يجب أن لا تغيب عن بال احد، وعندما يصبح الحديث مؤجلا ومواربا عن الأوضاع المالية لصناديقنا التقاعدية فعلينا الاستعداد لما هو قادم، وهو أمر يشي بأن علينا ترقب تغييرات فما يجري الآن ما هو إلا محاولة التقاط الوقت المناسب لطرح تلك المعالجات أو بعضها، وهو أمر لا يمكن الاعتراض عليه بطبيعة الحال كونه يتحسس في جوهره ردة الفعل المجتمعية المنتظرة ويتحسب لها.
باعتقادي أن معالجة أوضاع ومستقبل الصناديق التقاعدية في البحرين يحتاج بدلا من التأجيل والتردد، يحتاج إلى مبادرات وخطوات جريئة تقوم بها الدولة ويتفهم غاياتها المجتمع، وهذا الأمر لن يكون ممكنا من دون أن تكون هناك خطوات وبرامج تهيئة ووعي عام بأهمية الحفاظ على الصناديق وإطالة عمرها، ومن الممكن للناس أن يتفهموا ذلك بل ويتعاونوا مع الدولة في وضع تلك الحلول إذا ما اطمأنوا بالفعل إلى أن الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي الجهة المعنية بتقاعد كل البحرينيين في القطاعين العام والخاص قد أصبحت بالفعل تدار بحرفية أكبر، وتوجه استثماراتها بشكل مدروس يعزز مواردها وعوائدها وأصولها بما يقوي مركزها المالي ويُطمئن عشرات الآلاف من المتقاعدين ومن سيدخلون مرحلة التقاعد على مستقبلهم ومستقبل أسرهم، حينها فقط سنجد وعيا يتبعه تعاون متزايد بأهمية ما تنوي الحكومة أن تُقدم عليه من خطوات نعتقد جازمين أنها قادمة لا محالة وإن تأجلت!
صحيفة الايام
24 نوفمبر 2010