لم نجد ولن نجد كتلة كبيرة وواسعة تسمي نفسها بالمستقلين في برلمان قائم على التعددية الحزبية والتنوع المجتمعي بكل الاصطفافات الطبقية المكونة لهذا المجتمع أو ذاك، فعادة في كل برلمانات العالم تحظى الأغلبية الكبرى بنواب قادمين من قوة ورصيد أحزابها السياسية في تلك الأنظمة والمجتمعات، ثم تلي تلك الكتلة أحزاب اقل فاصغر عددا من تركيبة هذا البرلمان أو ذاك، وبين مقاعد قد تصل مئات سنجد عددا لا يتجاوز أصابع اليد من المستقلين دخل قبة المجلس النيابي، وبدعم واضح من هذا الحزب أو ذاك، نتيجة صفقات سياسية بين الأحزاب وذلك المرشح المستقل، الذي تتحدد مواقفه النيابية والانتخابية على ضوء منهجه السياسي ومصالحه الاجتماعية والشريحة التي ينتمي إليها في تلك التركيبة، فهو وان كان دخل بصفة شخصية مستقلة الانتخابات النيابية، فانه ليس بالإمكان أن يكون مستقلا عن خياراته السياسية والاجتماعية وميوله الفكرية ونهجه الاقتصادي في منظومة حياة كاملة تحيط بحياته اليومية، فلا يوجد نائب مستقل معلق في الفراغ الكوني كمصباح غامض من السحرية، وإنما يدور في منظومة فلك واسع يؤثر عليه ويؤثر فيه، كونه فردا مستقلا وكونه ضمن مجموعة أفراد مستقلين يدخلون في إطار من التنسيق والتعاون وفق حد أدنى لتكتل من الموازييك المتنوع في الانتماء والصراع الأساسي في المجتمع كمحرك عام لكل تلك التناقضات المعقدة. وبما أن المستقلين هم نتاج إفرازات انتخابية، فإنهم يولدون معها وينحلون ويختفون مع اختفاء تلك الحياة النيابية، غير إن النواب القادمين من منابت حزبية، يظلون في عملية صدام سياسي واختلاف مع طبيعة تلك الأنظمة، صراع مستمر ودائم نتيجة العملية السياسية المستمرة بين أطراف المجتمع وتمثيل كل حزب أو جمعية لشرائح وطبقات أو فئات محددة من ذلك النسيج الاجتماعي المتداخل، في علاقاته وصراعاته، والذي يعتبر في المؤسسات الديمقراطية الغربية واضح المعالم باعتبار أن المعارضة وتداول السلطة تتحرك باستمرار كل أربع أو خمس سنوات، لهذا التكوين الاجتماعي المتبلور تصبح الرؤية والمنهج أيضا واضحتين في العملية السياسية، غير أن التركيبة الاستثنائية لمجتمعات ديمقراطيتها وليدة وأحزابها غائبة وجمعياتها شكلية، ووعي سكانها ومواطنيها بالعملية الديمقراطية جنينيا، فإننا بالضرورة سنتعامل مع نوع من المولود السياسي المشوه والمشوش، كما هي طبيعة ما يسمون في دولنا بالمستقلين، والذين باتوا في نظر الشارع العام، قبل انعقاد المجلس، متهمين بأنهم رقم رسمي إضافي منتخب في المجلس النيابي، ومسافة الفوارق بينهم وبين أعضاء مجلس الشورى هو كون الثاني جاء تعيينا والاخر جاء بفعل الانتخاب وأوراق التصويت، والتي لا يمكن فصل عنصر المؤثر الخارجي في نتائجها في قفز وصعود هذه الكتلة لمجلس 2010، بعد أن برهن قدماء المستقلين الخمسة، أنهم يغنون ويصفقون تارة بشكل منفرد وتارة بشكل جماعي مشدودين كحبل السرة بالمؤثر الخارجي المنظم لتصفيقها وإيقاعها، غير إن المايسترو المنظم لتلك المجموعة «المستقلة» عقل سياسي محنك ينظم حركتهم باقتدار متى ما وجدهم يتصارعون على مصالح فردية داخل اللجان والمناصب، حتى نكاد نلمس أن التناحر والتنافس والتضاد ليس ايديولجيا وإنما رغبة خفية قوية، داخل نفس هذا النائب أو ذاك، فتطفح على السطح نتيجة هذا التنافر السياسي النيابي في تركيبة الأشخاص أنفسهم، وليس البرامج بعد، إذ تمثل عملية الاستحواذ الشخصي فوق كل الاعتبارات السياسية والمصالح التكتلية، التي على ضوئها يجتمع ذلك التشكيل من اجل خلق فرقة عمل سيمفوني ابتدائية، تبحث عن مايسترو مناسب داخل قبة برلمان 2010، إذ من السهل تحديد الناطق الإعلامي وتعينه ومن السهل منح أشخاص مناصب في تلك اللجنة أو غيرها، ولكن الإشكالية الكبيرة أمام هذا التكتل هو البحث عن المايسترو في لحظة دخول التكتلات والأصوات في تنافر صوتي داخل القبة، وهم بحاجة لمن يحركها بعصا محترفة من الداخل وأثناء لحظتها الحوارية والاعتراضية داخل المجلس، حيث الإشكالية هنا تكمن في سؤال هام هو ما الفرق بين الغناء «السولو» المنفرد اوراليا والغناء الجوقي الجماعي المنسجم مع لحن عام يتدرج بالهوينى داخل عملية هارموني موسيقي معقد، وعمل بوليفوني صعب من الضروري التحكم فيه صوتيا، حتى لا يبرز ويطغى النشاز على المتناغم! فهل سنلمس ناظما داخليا محسوسا لهذه الكتلة، لديه كل الأحاجي ولكن من وراء الكواليس، ينظم إيقاعها وصوتها الواحد المتوحد المتحد!
صحيفة الايام
23 نوفمبر 2010
صحيفة الايام
23 نوفمبر 2010