المنشور

مستقلون عن ماذا؟

الوعي السياسي في بواكيرهِ الجديدةِ يتشكلُ بالتجريبية المحضة، تلاشتْ مدارس ولم تظهرْ مدارس، ومن هنا لن نجدَ كتلاً وطنية في المجلس، بمعنى ان الكتل ذات أبعاد مذهبية سياسية، ولم تشكل كلاً وطنياً على امتداد الخريطة.
المجلس ليس على غرار المجالس الغربية بوجود صفوف اليسار واليمين والوسط، كل كتلة تجلس في مقاعد مخصصة لها.
فالجلوسُ هنا متناثرٌ يعبرُ عن عدم وجود اصطفافات سياسية اجتماعية.
ولهذا فالمجلس يعبر عن كتلتين مذهبيتين مثلما هو الاصطفاف الحياتي الذي تراجع عن عقود الخمسينيات والستينيات البحرينية.
كما يعبر عن انقسام الأمم الإسلامية في المشرق العربي.
ولكن هناك اصطفافا وحيدا بين الكتلتين هو الاصطفاف اليميني، بمعنى أن الجميع ينتمون لعالم اليمين السياسي الاجتماعي، وهو يمينٌ غامضُ الملامح، ليس فيه قادة من أرباب العمل، مشهود لهم الدفاع عن البرجوازية أو القطاع الخاص وبالتالي مشروع الرأسمالية الحرة بكل ظلالهِ من تعددية وديمقراطية وعلمانية.
حتى هذا المشهد السياسي الاجتماعي هو بحدِ ذاته متطور، لأننا لم نكن نرى تعدديةً، وظهورُ تعدديةٍ هو منجز، لكن أي تعددية وما هو تطورها؟ وكيف ترى الآفاقَ الوطنيةَ التحوليةَ والخليجية المتعلقة بها؟ وكيف تكونُ مشروعَ التغييرات المترابطة بحرينياً وخليجياً ومشرقياً؟
الفئات الوسطى الصغيرة والمتوسطة السائدة في المجلس هي بين تعايش مع جهاز الدولة والاستفادة من العلاقة الطويلة معه، وبين انكفاء عن هذا الجهاز، وبداية التعامل والتداخل معه، وفي صيغٍ غيرِ محددةٍ وتتسم بالغموض.
ومن هنا فإن اسم كتلة المستقلين يثير التساؤلات فأي استقلال مطروح هنا؟ وهي مستقلة عن من؟
هو تعبيرٌ مجردٌ ليس فيه مضمون اجتماعي سياسي، وربما المقصود بتعبير (المستقلون) هو الاستقلال عن الكتل الدينية السياسية، واعتماد مشروع الوعي الديمقراطي الحر.
وإذا كان المقصود ذلك فهو بداية صحيحة.
لقد جمد المذهبيون السياسيون الحراكَ الاجتماعي في العقدين الأخيرين، وغدت كل جزئية سياسية تُطرح من هذا الفريق مثار تشكك ورفض من الفريق الآخر.
التمزق الإسلامي بين سنة وشيعة، بين محور عربي معتدل، وبين محور إيراني سوري، فكك الأممَ الإسلامية في المشرق خاصة، وجعل قدرتها على المقاومة والعمل لتطوير أوضاعها ووحدتها محدودة بل ضائعة مُدمَّرة.
وفي الخليج تغدو المسائل أكثر حدة وخطورة، وعمليات تفكيك الدول وشرذمة المواطنين تتسعُ وتقترب منا، بحيث نجد بلداً عريقاً كالعراق يعجزُ عن تشكيلِ حكومةٍ وغداً سوف يعجزُ عن لملمةِ خريطتهِ الوطنية وتكوينِ وزارات وجيش.
ومن هنا يغدو الخروجُ من التكتلات المذهبية المتقوقعة على ذواتها، وداخل حلقاتها السياسية المغلقة، إنجازاً، بشرط ألا يكون الخروج نحو قواقع جديدة، ومذهبية بديلة، ويختفي الأفقُ الوطني المفتوحُ على جميع من يتبنى برنامجاً سياسياً وليس أن ينتمي إلى طائفة.
أن تكون الكتلة منفتحة على مختلف المشروعات الوطنية.
ففي الأساس ما هو البرنامج الذي تتبناه الكتلة؟ وما هي آفاق الاقتصاد التي ترتئي التوجه نحوها؟ وما هي الإيجابيات التي تريدُ تكريسها في هذا الاقتصاد ومواقع النقص التي تريد أن تتجاوزها؟
كيف ترى الحريات الاقتصادية والاجتماعية وعلاقاتها بتطوير العمالة الوطنية وظروف العيش؟ كيف تجمع بين حرية التجارة ومسئولية رأس المال عن الوطن والناس؟
هذه حلقةٌ أوليةٌ مهمة يجب الوقوف عندها مطولاً وعدم القفز لحلقات أخرى، فنحن في مشروعِ تغييرٍ لظروف سابقة ولم نؤسسْ بعد شيئاً جديداً كبيراً، وأي توجه حاد في جهة من جهات الاقتصاد يسبب اضطرابات.
وفي هذه السنوات تتجمع غيومُ أزمةِ الاقتصاد وأزمة الخليج والشرق الأوسط، في سماء واحدة، وهناك إيجابيات في قطاعات العمل والعمالة يجب تطويرها، وهناك سلبيات، مثل تحميل القوى المالية والشعبية فواتير الأزمة الاقتصادية.
المهم هو أن يحمل المستقلون مشروع تنامي الفئات الوسطى والدفاع عن تطور رأس المال الخاص الوطني وتنامي الإصلاحات.

صحيفة اخبار الخليج
21 نوفمبر 2010