تطرق علي حرب في هذه الدراسة الى واقع المجتمعات العربية في ظل الازمة الداخلية والعالمية ويزعم ان الاخيرة التي شملت وجوه العمل الحضاري والنشاط البشري لم تعد تقتصر على مجال دون آخر، وبلد دون آخر او هوية دون سواها وانما هي ظاهرة عابرة للقارات تعم جميع الدول والمجتمعات.
فما هي اذن الازمة العالمية؟ وما المقاربة التي اعتمدها؟ وما علاقة ازمة المجتمعات العربية الداخلية بالازمة العالمية؟
اسئلة تجيب عليها هذه الدراسة بمنهجية تتعامل برصانة علمية تناولت بالتحليل والنقد الموضوعي الازمة من حيث مظاهرها واسبابها وتداعياتها. يناقش «حرب» الازمة على الصعيد العالمي اذ يرى ان المجتمعات الغربية ازمتها تكمن في مواجهتها للتحولات العاصفة والمتسارعة سواء في مجال التنمية او في مبادئ الحقوق والحريات والهويات. وازمة الولايات المتحدة اليوم ولا سيما بعد عقد من النمو والازدهار المعولم الناتج عن ثورة المعلومات والاتصالات تتجسد في مجالين: اولاً في الاقتصاد ويتمثل ذلك في الانهيار الذي شهدته بعض الشركات الكبرى عام 2002، وثانياً في مجال الامن اذ يعتقد الباحث حرب ان الحرب في النهاية ليست الحل كما يظن ويعتقد اصحابها وصانعوها بقدر ما هي تعبير عن العجز او هروب من مواجهة التحديات الداخلية بخلق اعداء في الخارج يجري تحميلهم المسؤولية عن الازمات.
اذن فالعالم يعيش وسط ازمة، والازمة يمكن تعريفها – كما يقول – حل المشكلات يخلق مشكلات جديدة، معالجة الازمات تولد المزيد من التعقيد والتأزم، الاطر والادوات المستخدمة في النظر والعمل باتت قاصرة او مستهلكة او عقيمة.
أما عن مصير النظام العربي فيشهد عالمنا العربي ازمات مضاعفة وتحديات داخلية وخارجية، فعلى الصعيد الداخلي ثمة تعثر وتراجع او فشل واحباط من حيث العلاقة مع مجمل المشاريع والقضايا والبرامج المتعلقة بالتحديث والتنمية او بالحرية والعدالة او بانتاج المعرفة والتقنية.
وما يعنيه حرب بالتحديات الخارجية ينحصر في ان البلدان العربية من حيث علاقتها بالخارج اصبحت هدفاً للضغط والابتزاز من جانب الدول العظمى الطامعة في الموارد والاسواق، وبعد تفجيرات سبتمبر تزايدت الضغوط والتهديدات على العرب واصبحوا موضعاً للاتهام بالارهاب والتخلف ومعاداة الحداثة ثم اتى سقوط بغداد. وينكشف الوضع العربي على حقيقته المرة بؤساً وتخلفاً او ضعفاً وهشاشة او تدهوراً وبالتالي فالقضايا المصيرية التي ندافع عنها لا نحسن سوى انتهاكها، والخصوصية التي نحافظ عليها تتحول الى عزلة خانقة والثوابت التي نتمسك بها تعيدنا الى الوراء او تقودنا الى الاستسلام، والآخر الذي ندعي مجابهته او نقاومه يزداد قوة وهيمنة فيما نزداد نحن تبعية وهامشية. حتى الاستقلالات التي حققناها وسعينا اليها تجعلنا نترحم على الاحتلالات وكأننا مختصون في صنع الهزائم والكوارث.
الامر الذي يضع موضع النقد والمساءلة المشروع الثقافي والحضاري بل المصير العربي بالذات وبانهيار النظام الاقليمي العربي. العرب يواجهون التحديات بالادوات القديمة التي تعيد انتاج الازمات على نحو الاسوأ.
فالذي يتأمل الوضع العربي تصدمه الصور والنماذج الطاغية والبارزة: مجتمعات ميتة سياسياً، وشعوب كسولة ثقافياً، اقتصاد قوامه الهدر والفقر والفحش والتبذير، مجتمع يتزايد نسله بصورة تبتلع ميزانيات التنمية، وانظمة تنتج العجز والبطالة والاستبداد، ادارات حكومية ينخرها الفساد والفوضى، جامعات مفصولة عن واقع الحياة تخرج افواجاً من العاطلين عن العمل، تعليم يتراجع باستمرار من حيث كوادره وبرامجه ونتائجه، ونساء يعدن الى الحجاب بعد مائة عام من السفور، ملاحقة الكتاب والفنانين بدعاوى الحسبة وفتاوى الرده، نخب ثقافية وفكرية مذعورة من عصر العولمة والتقنية، اعلاميون ودعاة ومناضلون مفجوعون لسقوط النظام العراقي. باختصار ان الامة التي كانت خير امة هي على الهامش وفي المؤخرة.
هذا الواقع نتحمل نحن مسؤوليته بصورة كبيرة وسمعتنا العالمية تتوقف على وضعيتنا الوجودية في الداخل وتتوقف ايضاً على ما نحققه من انجازات أو نقدمه من اضافات في صناعة الحضارة ومستقبل الكوكب ونحن حتى الان لم ننجح في هذه المهمة المركبة لماذا؟ اولاً لاننا لا نحسن ادارة شأننا واختلافاتنا بعقلية مدنية تداولية حضارية بقدر ما نستبعد الرأي الآخر وننادي بالموت للمختلف، وثانياً لاننا نستعدي العالم ولا نتعرف بالآخر الا اذا كان يشبهنا او يقف معنا، وثالثاً لاننا حتى الان لم نصنع شيئاً نفيد منه الناس لكي نثبت جدارتنا وننتزع الاعتراف بنا وسط الامم.
ومن هنا، اننا نفتقر الى المصداقية والمشروعية والفاعلية فيما ندعي من حقوق او ندعو اليه من المبادئ والقيم.
صجيفة الايام
20 نوفمبر 2010
فما هي اذن الازمة العالمية؟ وما المقاربة التي اعتمدها؟ وما علاقة ازمة المجتمعات العربية الداخلية بالازمة العالمية؟
اسئلة تجيب عليها هذه الدراسة بمنهجية تتعامل برصانة علمية تناولت بالتحليل والنقد الموضوعي الازمة من حيث مظاهرها واسبابها وتداعياتها. يناقش «حرب» الازمة على الصعيد العالمي اذ يرى ان المجتمعات الغربية ازمتها تكمن في مواجهتها للتحولات العاصفة والمتسارعة سواء في مجال التنمية او في مبادئ الحقوق والحريات والهويات. وازمة الولايات المتحدة اليوم ولا سيما بعد عقد من النمو والازدهار المعولم الناتج عن ثورة المعلومات والاتصالات تتجسد في مجالين: اولاً في الاقتصاد ويتمثل ذلك في الانهيار الذي شهدته بعض الشركات الكبرى عام 2002، وثانياً في مجال الامن اذ يعتقد الباحث حرب ان الحرب في النهاية ليست الحل كما يظن ويعتقد اصحابها وصانعوها بقدر ما هي تعبير عن العجز او هروب من مواجهة التحديات الداخلية بخلق اعداء في الخارج يجري تحميلهم المسؤولية عن الازمات.
اذن فالعالم يعيش وسط ازمة، والازمة يمكن تعريفها – كما يقول – حل المشكلات يخلق مشكلات جديدة، معالجة الازمات تولد المزيد من التعقيد والتأزم، الاطر والادوات المستخدمة في النظر والعمل باتت قاصرة او مستهلكة او عقيمة.
أما عن مصير النظام العربي فيشهد عالمنا العربي ازمات مضاعفة وتحديات داخلية وخارجية، فعلى الصعيد الداخلي ثمة تعثر وتراجع او فشل واحباط من حيث العلاقة مع مجمل المشاريع والقضايا والبرامج المتعلقة بالتحديث والتنمية او بالحرية والعدالة او بانتاج المعرفة والتقنية.
وما يعنيه حرب بالتحديات الخارجية ينحصر في ان البلدان العربية من حيث علاقتها بالخارج اصبحت هدفاً للضغط والابتزاز من جانب الدول العظمى الطامعة في الموارد والاسواق، وبعد تفجيرات سبتمبر تزايدت الضغوط والتهديدات على العرب واصبحوا موضعاً للاتهام بالارهاب والتخلف ومعاداة الحداثة ثم اتى سقوط بغداد. وينكشف الوضع العربي على حقيقته المرة بؤساً وتخلفاً او ضعفاً وهشاشة او تدهوراً وبالتالي فالقضايا المصيرية التي ندافع عنها لا نحسن سوى انتهاكها، والخصوصية التي نحافظ عليها تتحول الى عزلة خانقة والثوابت التي نتمسك بها تعيدنا الى الوراء او تقودنا الى الاستسلام، والآخر الذي ندعي مجابهته او نقاومه يزداد قوة وهيمنة فيما نزداد نحن تبعية وهامشية. حتى الاستقلالات التي حققناها وسعينا اليها تجعلنا نترحم على الاحتلالات وكأننا مختصون في صنع الهزائم والكوارث.
الامر الذي يضع موضع النقد والمساءلة المشروع الثقافي والحضاري بل المصير العربي بالذات وبانهيار النظام الاقليمي العربي. العرب يواجهون التحديات بالادوات القديمة التي تعيد انتاج الازمات على نحو الاسوأ.
فالذي يتأمل الوضع العربي تصدمه الصور والنماذج الطاغية والبارزة: مجتمعات ميتة سياسياً، وشعوب كسولة ثقافياً، اقتصاد قوامه الهدر والفقر والفحش والتبذير، مجتمع يتزايد نسله بصورة تبتلع ميزانيات التنمية، وانظمة تنتج العجز والبطالة والاستبداد، ادارات حكومية ينخرها الفساد والفوضى، جامعات مفصولة عن واقع الحياة تخرج افواجاً من العاطلين عن العمل، تعليم يتراجع باستمرار من حيث كوادره وبرامجه ونتائجه، ونساء يعدن الى الحجاب بعد مائة عام من السفور، ملاحقة الكتاب والفنانين بدعاوى الحسبة وفتاوى الرده، نخب ثقافية وفكرية مذعورة من عصر العولمة والتقنية، اعلاميون ودعاة ومناضلون مفجوعون لسقوط النظام العراقي. باختصار ان الامة التي كانت خير امة هي على الهامش وفي المؤخرة.
هذا الواقع نتحمل نحن مسؤوليته بصورة كبيرة وسمعتنا العالمية تتوقف على وضعيتنا الوجودية في الداخل وتتوقف ايضاً على ما نحققه من انجازات أو نقدمه من اضافات في صناعة الحضارة ومستقبل الكوكب ونحن حتى الان لم ننجح في هذه المهمة المركبة لماذا؟ اولاً لاننا لا نحسن ادارة شأننا واختلافاتنا بعقلية مدنية تداولية حضارية بقدر ما نستبعد الرأي الآخر وننادي بالموت للمختلف، وثانياً لاننا نستعدي العالم ولا نتعرف بالآخر الا اذا كان يشبهنا او يقف معنا، وثالثاً لاننا حتى الان لم نصنع شيئاً نفيد منه الناس لكي نثبت جدارتنا وننتزع الاعتراف بنا وسط الامم.
ومن هنا، اننا نفتقر الى المصداقية والمشروعية والفاعلية فيما ندعي من حقوق او ندعو اليه من المبادئ والقيم.
صجيفة الايام
20 نوفمبر 2010