في محصلة الربح والخسارة وبمعادلة سهلة نقول بأن البحرين هي الرابح الأكبر في هذه المعادلة، ولكن في حسبة بسيطة نجد بأن بعض القوى الحداثية أو الليبرالية قد تراجعت في خطاباتها وانحصر تفكيرها وانصب فقط في الحصول على مقعد في البرلمان دون أن ترى أبعد من ذلك في بلورة خطاب بديل عن القوى الدينية الطائفية.
فان يضحي بآخر بقايا روح المعارضة الحداثية البديلة وبالكرامة السياسية على مذبح الرياء الوطني والتدلل والتزلف للتيارات الدينية أمر يحتاج إلى وقفة.
فمن يود أن تفهمه الجماهير وتصطف إلى جانبه عليه قبل كل شيء أن يصوغ مطالبه بوضوح ويسمي الأشياء بأسمائها لا يستجدي من أجل الحصول على موطئ قدم بحيل وقوة الآخرين والذين هم إن استطاعوا في المرات القادمة وبعد المراقبة المستمرة لجماهيرهم أن ينقضوا هم أنفسهم على هذا المقعد المأمول لزيادة حصصهم.
فالتاريخ يعلمنا بأن قوتنا الوحيدة في ذاتنا وفي ثقتنا بأنفسنا وبأفكارنا الحداثية وبأن المستقبل لنا كقوى ترى بأن الدولة المدنية هي السبيل إلى تطورنا وليس الدولة الدينية بالمفهوم المتخلف.
أن ندافع عن هذه الأفكار وبقوة وصلابة هي المفتاح لقيام المؤسسات المدنية القابلة للحياة والتطور من أجل غد أفضل لنا ولأجيالنا اللاحقة بعيدا عن سلطة وتسلط التيارات والمؤسسات الدينية.
وإذا كان هناك من يعتقد ان التيارات الملتحفة بالدين في وارد ان تقدم هدية لأي تيار علماني ليبرالي كما يتصوره البعض دون مقابل فإنها السذاجة بعينها في الفكر والمنطق.
فالهدية وان قدمت جدلاً فإنها ستستعاد غدا على شكل تنازلات عن المبادئ والثوابت الفكرية والسياسية وهذا ما نلحظه يوماً عن يوم لدى البعض ممن يطربهم الركض وراء السراب.
فحرية الحركة لدى القوى السياسية لا تكتمل وتتحقق بالتحالف مع أخرى همها الأول والأخير قضم الحريات المدنية التي ناضل شعبنا طويلا من اجلها وبسببها استطعنا وعلى مدى عقود طويلة من تحقيق هذا المنجز، فالحرية هي بالنسبة لنا كالخبز والهواء بينما تعتبر القوى الدينية أن من أهم انجازاتها إعاقة قانون الأسرة والقادم أعظم.
كان للتنظيرات في بداية المشروع الإصلاحي عن التعويم الإيديولوجي وما رافق ذلك من تطورات أثر واضح في الخطاب السياسي والإيديولوجي تمت فيه التسوية بالركون الى الذيلية والانضواء تحت لواء قوى طائفية استطاعت من خلاله تلك القوى الحصول على صك براءة من طائفيتها وفئويتها دون ان يحصل من عاموا في الوهم سوى على التصفيق في المنتديات ذات اللون الطائفى. وحتى يكون كلامنا أكثر دقة ومنطقية فان تلك القوى الواهمة لو جربت مجرد النزول في أي من دوائر حليفتها الكبرى (المغلقة كما تدعى) للاقت صنوفا من التشهير والتسقيط والازدراء كما حصل لممثلي المنبر التقدمي والتجمع القومي.
فالخطاب الديماغوجي تنتج عنه سياسة متهالكة لا هي بالمدنية ولا هي بالدينية لا هي مع الليبرالية ولا هي مع غيرها من قوى اليسار.
ولعل خطر مثل هذا الموقف يتمثل في إعطاء المشروعية للقوى المتخلفة ان تظل متسيدة للساحة السياسية لفترات أطول من أجل تحقيق مشروعها الخاص «الدولة الدينية الطائفية « بالقوة والقهر على حساب التقدم المنشود وبناء الدولة الحديثة القائمة على الحرية وحقوق الإنسان والمدنية.
فقد تعرضت هذه القوى وعلى مراحل لسلسلة من مشهديات وحالات زحزحة للفكر التقدمي وتوليف الصورة في خدمة صورة أخرى هي ابعد ما تكون عنها شبهاً، حيث حل مفهوم التعويم الإيديولوجي محل الثوابت الفكرية الإيديولوجية تعبيرا عن انهيار التوازن الداخلي لهذا الفكر الأمر الذي استدعى ان تحتمي بتيارات ذات صبغة طائفية وذات مرجعية توجههم بالريموت والفتاوى بتسقيط العلمانية. فالموت للعلمانية الذي ردده المصلون في أحد جوامع البحرين الكبرى هو الخطاب ذاته الذي مورس في الانتخابات وطبق بصورته الفعلية والعملية في الحملات الانتخابية ضد المترشحين الوطنيين في دوائر الوفاق.
كما فضح تبادل المصالح في دعم التيارات الإسلاموية بعضها للبعض على حساب مترشحين وكفاءات وطنية في دوائر أخرى هو التطبيق الفعلي لمقولة الموت للعلمانية حين ذابت صفة المعارضة وصبغة الموالاة لعل البعض يتعظ ولو قليلا.
فبناء الدولة المدنية الحديثة والمستندة إلى أخلاقيات دستورية وقانونية ليس ممكنا في إطار التمسك بالمرجعية الدينية والطائفية ان الوعي لا يمكن أن يتطور إلا في نطاق دولة مدنية عصرية.
الأيام 19 نوفمبر 2010