­

المنشور

متى يعلنون وفاة التحالف السداسي؟


بشيء من التبسيط يمكننا القول إنّ ما أسفر عن الاستحقاق الانتخابي في أحد وجوهه هو حالة الفزع الشديد من إقدام مترشحين من التيارات الديمقراطية في قبال آخرين منتمين لتيارات إسلامية متحصنة في (دوائرها المغلقة)، لكنّ المفاجأة التي أذهلت الرأي العام ولم تخطر ببال أحد من المحللين والمراقبين هو الصعود الكاسح والنسبة المرتفعة المتحصلة للجمعيات الليبرالية والوطنيّة مما جعلها توشك على الفوز، اذ ناهزت النسبة 44 %، وهي بكل المقاييس تعد نجاحاً غير متوقع في دوائر يسيطر عليها مترشحون ذوو توجهات إسلامية.

مبعث الفزع المشار إليه من منافسة وطنيين للإسلاميين على الأرجح ما تتبناه الشخصيات الوطنية من رؤى تنتمي للفكر اليساري. هذا الفكر لم يزل مصدرا لإثارة موجات الرعب رغم ما يبديه الديمقراطيون من مرونة وتسامح في كثير من الأحيان. إنه وطبقا للرؤية السالفة يشكل خطرا داهما إذا ما قدّر له الوصول للبرلمان نظرا لما تنطوي عليه رؤيتهم من نزعة تحرر تجاه العديد من القضايا. لكنّ السؤال هنا ما مقدار ما تحمله هذه الرؤية من صواب وحقيقة؟ وهل هو – فعلا – بهذه الخطورة المتصورة من جانب البعض؟ أم إنها رؤية تتستر تحت أهداف ونوايا مغايرة؟ وهل أفرزت الحملات المحمومة بين التيارين عن أزمة مستحكمة؟ والسؤال الأشد هل يمكن القول على خلفيات المواجهات بكل ما رافقها من عنف وإشاعات طالت مترشحين  ليبراليين الإعلان عن وفاة التحالف السداسي؟
 
لا بد من الإشارة في البداية إلى حقيقة ساطعة كالشمس في رابعة النهار، وهي أن حجم التيار الليبرالي في البحرين ليس بالصورة التي يروجها مناوئه فكريا وعقائديا، إذ إنّ حجمه عدديا قياسا بما تمثله تيارات الإسلام السياسي ضئيل للغاية ونسبة لا تكاد تذكر.
ومن هنا يغدو الفزع مصطنعاً ولا أساس له. ولو قدّر لبعضهم الفوز، فإنّ الخطورة من وصولهم بعيدة عن الواقع ولا قرابة لها بالحقيقة. إنّ أبرز نقاط الخلاف بين التيارين الديمقراطي والإسلامي يكمن في أنّ العضو الديمقراطي سيقف ضد التوجهات الإسلامية كقانون الأحوال الشخصية.

وإزاء هذا الجدل، فإنّ الرؤية الموضوعية تقتضي القول إن ليس ثمة دليل منطقي ناهض على مثل هذا الزعم ذلك أنّ تواجد أحد الأعضاء الليبراليين بات يمثل ضرورة لإثراء العمل البرلماني. وبالعودة لمسألة التحالف السياسية كتلك القائمة بين التيارات الوطنية من جهة والوفاق الإسلامية من جهة ثانية، فالملاحظ أنه رغم التباين الشاسع بينهما إلاّ أنّ التحالف كان مستمرا ومنسجماً، بل متوافق في ملفات سياسية ووطنية عدة. الاستحقاق الانتخابي كشف المسكوت عنه والأهداف المخفية لدى كل فريق وتطورت إلى حدّ المواجهات الساخنة عندما اتهم رئيس جمعية المنبر الديمقراطيّ حسن مدن حليفه الوفاق بالسعي إلى إسقاطه عبر إطلاق الإشاعات. لكنّ ما يصرّح به قادة الوفاق هو أنّ مفهوم التحالف المتعارف عليه دولياً لا يعني التنازل عن أيّ مقعد لدى الطرف الحليف، ويؤكدون هذا بما يجري في بلدان ديمقراطية عريقة. بينما الرؤية المترسخة لدى الديمقراطيين هي إتاحة الفرصة لمترشحيهم وتمكينها من الوصول للبرلمان. إننا نعتقد أن كلا الرؤيتين لم تبحثا أثناء جلسات الحوار، بل ما كان يحكم عملهم هو الرؤية البرجماتية بما يعني أنّ كل فريق يحاول كسب أقصى ما يستطيع من مكاسب؛ لتحقيق أجندته الخاصة، وكان من الطبيعي أن تحدث الشروخ بينهما، وهو أمر يصعب ترميمه في السنوات القادمة.

كان أحد قادة التيار الديمقراطي قد أجاب في أحد اللقاءات حول التحالفات بأنها يجب أن يكون التيار الديمقراطي واضحا وصريحا في مواقفه، ويبني تحالفاته على قاعدة الوضوح.
ومن المفترض أن يكون هناك  برنامج اجتماعي وفكري للتيار الديمقراطي يختلف عما تطرحه التيارات الأخرى حتى المعارضة، إذ من الثابت أنّ التيارات الإسلامية والوطنية تلتقي في قضايا مشتركة كالإصلاح السياسي، ولكن البرامج مختلفة. ليس هناك من يختلف حول الكفاءات السياسية والاقتصادية والثقافية، ولكن المعضلة فيما تتبناه من رؤى فكرية مناقضة لما تطرحه التيارات الإسلامية.
 
صحيفة البلاد   الأحد 14 نوفمبر 2010