بعض الباحثين يتحدث عما يصفونه بانشطارات الطبقة الوسطى في بلداننا العربية في اشارة إلى أن هذه الطبقة ليست كتلة واحدة، وإنما هي فئات متنوعة.
ويمكن أن نستطرد هنا فنقول إن المنابت الاجتماعية لهذه الفئات متنوعة ومتعددة، وهو الأمر الذي ينعكس على مزاجها السياسي والفكري، الذي يبدو هو الآخر متنوعا ومتعدداً.
وهذا الحكم يصح على حال هذه الفئات في المجتمعات المختلفة، ولكنه يصح بشكل خاص على مجتمعات فريدة في خصائص تطورها الاجتماعي وبنيتها الاقتصادية كما هو حال مجتمعات الخليج ذات الاقتصاد الريعي القائم بشكل أساسي على عائدات النفط.
ثمة صدقية للرأي الذي يقول بأن تحديد المقصود بالفئات الوسطى هو مسألة مجتمعية، بمعنى أن ما يتوافق عليه المجتمع من تحديد يشكل قاعدة مقبولة بصورة اكبر.
لا يمكن إلا الوقوف بجدية أمام الآراء التي يلحظ أصحابها أن استمرار ارتفاع الأسعار والتضخم المتزايد وثبات الأجور عند حالها يؤدي موضوعيا إلى تآكل الفئات الوسطى، وتعرض أجزاء منها للإفقار، وهو أمر يمكن أن يزداد في الفترة المقبلة أيضا.
طبيعي انه يترتب على ذلك مفاعيل اجتماعية واقتصادية عدة، خاصة إذا ما تذكرنا القاعدة القائلة بأن الفئات الوسطى بالذات هي الحافظة للتوازنات الاجتماعية، وكلما اتسعت قاعتها وازدادت رسوخا وثباتا كلما أمكن تأمين درجة من الاستقرار وسلاسة التطور الاجتماعي والسياسي.
أحد الباحثين دعا، مرةً، الى وضع خطة عشرية لتعزيز الطبقة الوسطى، ومع ان هذا يثير أسئلة عن مدى واقعية مثل هذه الفكرة وآلياتها، لكن الأمر لا يمكن أن يأتي منبتا عن مجمل الأوضاع في بلداننا، وهي أوضاع تحمل في طياتها الكثير من الظواهر المقلقة أو غير الباعثة على الاطمئنان.
فالحديث عن الإصلاح الاقتصادي مازال يعتمد على خطط تضعها مؤسسات بحثية أجنبية تقدم ما يشبه الوصفات الجاهزة التي تعطى لمختلف البلدان دون التمعن في خصوصية كل بلد على حدة، وهي وصفات تذكر بتلك التي يقدمها صندوق النقد الدولي أو شقيقه البنك الدولي.
ونحن شهود عيان على ما أدت إليه مثل هذه الوصفات من توترات اجتماعية، حين تشعر الفئات محدودة الدخل أنها هي بالذات من يتعين عليها دفع الأثمان الباهظة للخطط التي لا تُقدم سوى الحلول المعهودة من تقليص أو حتى رفع الدعم عن أسعار مواد غذائية حيوية.
صحيفة الايام
15 نوفمبر 2010