بعد الانتخابات النيابية والبلدية الأخيرة، بات في حكم المؤكد أن تتجه بوصلة العمل السياسي نحو مسارات مختلفة عما كانت عليه قبل الانتخابات، على اعتبار أن العمل السياسي الذي يحتمل اجتهادات ورؤى تيارات وجمعيات سياسية وقيادات، لابد له من وقفات جادة ومسئولة وفي مفاصل تاريخية محددة وذلك لإجراء بعض أو كثير من المراجعات التي من شأنها أن تطور وترتقي بمسار العمل السياسي وتصوب اتجاهاته وتمنع إعاقاته والوقوف عند مسبباتها والبحث عن بدائل أكثر جدية يؤمل منها دائما أن تكون أكثر نفعا لمسار التحول الديمقراطي برمته، وهي أمور في المجمل تنعكس على طبيعة المزاج العام لدى الجماهير إما سلبا أو إيجابا، لكنها بكل تأكيد تفصح عن حالة من التطور والمرونة وعدم الجمود والارتهان لمسلكيات رتيبة وعدمية في العمل السياسي، ولذلك تبقى من الضرورة بحيث لا يمكن أن يستقيم مسار العمل السياسي فقط كما يشتهيه أو يحدده طرف بعينه بغية تحقيق مصالح ضيقة أو مكاسب سياسية آنية بعيدا عن مكاسب السواد الأعظم من القوى والتيارات وعلى قاعدة التنوع وإثراء الرؤى لتحقيق المشتركات حول أهداف محددة بين تلك المكونات التي ارتضت أن تنسق فيما بينها وتضغط معا لتحقيق نجاحات تأملها الجماهير من قواها السياسية.
لذلك عندما يتكرر الحديث حول مصير التحالف السداسي الذي نعلم ويعلم الجميع أنه لم يرق يوما ليصبح تحالفا بقدر ما كان إطارا للتنسيق بين مكوناته الستة، حيث وقفت الظروف داخله وأحيانا خارجه عقبة كأداء دون أن يبلغ صيغة التحالف الحقيقي، فمن جهتنا في المنبر التقدمي على الأقل كنا أمام تحدٍ من نوع آخر مع أنفسنا ومع جماهيرنا وأصدقائنا ومنتسبينا حين ساهمنا وبفاعلية في هذا الإطار التنسيقي، حيث تتباين القناعات بل وتتعارض أحيانا حول جدوى وأفق العمل ضمن هذا الإطار، وكنا على الدوام نؤمل أن يتجاوز هذا الإطار ولو الحد الأدنى من مبررات وجوده، يدفعنا إلى ذلك الرغبة في العمل المشترك مع الآخرين، لكن ذلك لم يكن ممكنا بكل أسف طيلة أكثر من أربع سنوات مضت، وهي فترة كفيلة وكافية جدا لخلق انسجام يتجاوز الاصطفاف الهش الذي بقي عليه التحالف السداسي إذا أردنا أن نسميه تحالفا، وعلينا أن نقولها صراحة إننا لم نلمس يوما غايات وأهداف إستراتيجية واضحة جامعة يمكن أن تحكم طبيعة التنسيق والعمل المشترك فيما بيننا، سوى ذلك الهامش من المناورة لدى الطرف الأكبر في التنسيق، مستفيدا من وجوده داخل المؤسسة التشريعية سعيا منه لطرح ملفاته البرلمانية أو حتى الذهاب بها منفردا بعيدا عن مداولات السداسي، في حين لم يكن هذا البعض في وارد خلق فهم أكبر لطبيعة ما يمكننا أن نبنيه معا بعيدا عن التمايزات الحادة التي حكمت طبيعة العمل داخل مكونات السداسي نفسه، لكننا نفخر أننا كنا مؤثرين وبقوة في الكثير من القرارات المصيرية التي اتخذها السداسي وحتى تغيير بعض القناعات داخله، ولكن ذلك كان محكوما بما تتيحه طبيعة المداولات والبيانات المشتركة الصادرة بشكل جماعي، وكان لحكمة بعض المكونات داخل السداسي أثرها في عدم انجرار العمل السياسي إلى متاهات لا تحمد عقباها أحيانا كثيرة.
نقول ذلك بمرارة وضيق ونحن الذين تعرضنا أكثر من غيرنا لإساءات لا تُحتمل ممن يفترض أنهم حلفاء لنا، لكننا تحملناها وتعالينا على جراحاتنا ولم يعد ممكنا أن نستمر في تحملها أكثر وهي إساءات مخطىء من يقول إنها عرضية أو غير مسئولة ولا تسأل عنها القيادات، فهي ليست وليدة إرهاصات الانتخابات الأخيرة لوحدها بل قبلها كانت انتخابات2006 وما قبلها أيضا حيث الإساءات هي هي والتسقيط والتشهير الشخصي والعائلي والطعن حتى الهذيان الفج في تاريخ وذمم المنافسين الذين كانوا حتى الأمس أخوة وشركاء عمل وحتى أقارب.
ليس قدرا مكتوبا علينا أن نعيش مرارات وعقم التجارب وعدمية الممارسة انتظارا لصحوة الضمير، فهناك تنتظرنا الكثير من الفرص لبناء اطر أكثر جدية بعيدا عن المضي حتى آخر الشوط، والعمل السياسي كفيل بأن يصحح الكثير من الممارسات والأخطاء، وعلى الآخرين أن يتحملوا جزءا من مسئولية هروبهم المستمر من استحقاقاتها ظنا منهم أن الهروب إلى الأمام يصبح أجدى من مقاربة الاستحقاق والوفاء للشعارات، كما أن اتباع أسلوب الهجوم خير وسيلة للدفاع، لرد التهمة لن يجدي فالضلوع في استهداف الشركاء أصبح مكشوفا وهو يتوجب الاعتذار كخطوة أولى بعد أن أضحى أسلوب حياة بالنسبة للبعض ممن تفضحهم ممارساتهم في مواسم الحصاد تحديدا.
لقد أثبتت تجربة الانتخابات الأخيرة وما قبلها في 2006 أن خيار الجماهير الذي يراد له أن يكون مصادرا ومحاصرا ومجيرا، أضحى اليوم أكثر نضجا ووعيا ويمكن للقوى الوطنية الديمقراطية إن هي أرادت أن تراهن وتبني عليه للمستقبل مستغلة هذا الحضور الطاغي لعناصر وخطاب التيار الوطني الجامع في الدوائر التي أحدثوا فيها زلزالا، ربما أغاض من تعنيهم الرسائل التي وصلت واضحة فاستنفروا كل أسلحتهم المجربة والصدئة، ولم يعد يعنيهم من أمر تلك التحالفات سوى كيفية الإبقاء على هياكلها ولو عمدوا لاحقا إلى ترقيعها بخرق طالما رفضوها مرارا، بغية أن تكون حصنا وغطاء يداري سوءآتهم ..
أخيرا نقول..تجربة السداسي لن تعود كما كانت رغم أننا لن نأسف على خوضها فقد كانت مَلأ بالبراهين والدروس والعبر لمن يريد أن يتعلم ويتعظ!!
صحيفة الايام
10 نوفمبر 2010