المنشور

المراجعة المطلوبة

 
كل القوى التي خاضت الانتخابات التشريعية والبلدية الاخيرة بحاجة الى مراجعة جدية لأدائها، وفي مقدمتها القوى المنتشية اليوم بفوزها، فلقد اظهرت مجريات العملية الانتخابية الاخيرة في العديد من الدوائر ان ارهاصات التحولات الكبرى قادمة لا محالة، فدوام الحال من المحال.

خاصة وأن بعض من فازوا يعرفون انهم لم يفوزوا استناداً على كفاءتهم وحسن أدائهم، وانما لعوامل الدفع التي أتتهم من خارجهم، بالطريقة التي تجعلنا لا نمر مرور الكرام أمام الطرائف المتداولة هذ الأيام، التي لن ننقلها هنا تعففاً، ولكنها تندرج بأكثر العبارات تهذيباً في إطار: «صحيح ما سووا لنا شي، لكن اذا قالوا لنا انتخبوهم سوف ننتخبهم»، وقديماً قالت العرب أن شر البلية ما يضحك.

لكن اكثر تيار مدعو لمراجعة ادائه على ضوء هذه النتائج هو التيار الوطني الديمقراطي، وأن يمتلك الشجاعة لأن يفعل ذلك، لذا أجدني أحيي الدعوات التي أطلقها بعض المخلصين من أصدقائنا، من خارج تنظيماتنا، ولكنهم، يجدون أنفسهم في دائرة المزاج الاجتماعي الذي نعبر عنه، حتى لو انطوت دعواتهم على نقد مر لأدائنا، فهذه المرارة نابعة من الحرقة التي نكتوي بها جميعاً جراء ما علينا مواجهته والاعتراف به.

وبوسعي ان أشير الى نماذج من هذه الدعوات فيما كتبه الصديق والزميل القديم في الصحافة الأستاذ عقيل سوار، وما سبق أن كتبته الأستاذة سوسن الشاعر، وتناوله كذلك الصديق ابراهيم علي وآخرون، وهو أمر تداولته أيضاً في حديث جانبي مع الكاتب والباحث الرصين الدكتور أحمد عبيدلي في إحدى المناسبات الاجتماعية مؤخراً.
هناك الكثير الذي يمكن قوله في هذا الاطار، وستكون له مناسبات قادمة بالتأكيد، لكن ما نود التشديد عليه، في ضوء مداولات خضناها في المنبر التقدمي مؤخراً، هو الحاجة لابراز الوجه المستقل للتيار الوطني الديمقراطي في الموقف من كافة القضايا، بناء على التحليل المستقل والموضوعي لكافة الملفات، حتى تلك التي نتفق فيها، ولو من حيث الاطار العام، مع من توصف بقوى المعارضة الأخرى. حتى الان كان شعار وحدة المعارضة هو الذي حكم سلوك التيار الوطني الديمقراطي في كافة مواقفه، أو فلنقل في أغلبها من باب التلطيف والتخفيف، وهذا جر للكثير من المواقف الشعبوية المأخوذة بنشوة اللحظة، الخالية من التبصر في دور ووضع هذا التيار ومستقبله.

ولا يوجد مخلص لا يريد وحدة المعارضة اذا كان في ذلك خير للوطن ولمستقبل التطور السياسي والديمقراطي فيه، لا لمصلحة جهة واحدة من جهات المعارضة لتحسين مواقعها وفرصها في المجتمع، والتفاوض مع الجميع، وفي مقدمتهم الدولة، من هذا الموقع، لجني المزيد من المكاسب، والدخول في مقايضات، تأخذ وتعطي، وفق ما تقتضيه المنفعة الخاصة بهذه الجهة.
يكفي ما نسمعه ونقرأه هذه الأيام من دعوات متكررة للعودة للتعاون، ولسان حال الداعين يكاد يقول: بعد أن أخذنا ما

أخذنا في الانتخابات، وبصرف النظر عما أصابكم منا من أذى، تعالوا نواصل العمل المشترك، فما يجمعنا بكم أكبر من معركة انتخابية لا تأتي إلا مرة واحدة كل أربع سنوات.

نعم، القضية ليست قضية معركة انتخابية تأتي كل أربع سنوات، انها قضية مصيرية تطال مستقبل خيارات هذا الوطن.

صحيفة الايام
10 نوفمبر 2010