فوز السيدة فاطمة سلمان بعضوية المجلس البلدي في المحرق يحفز على التفكير في عدة أمور، وفي مقدمتها ان التحولات في الوعي وفي جاهزية المجتمع لقبول البديل تشق طريقها موضوعياً، وترسم لنفسها مسارات قد تكون خارج التوقع، فبينما كانت التوقعات أن يأتي اختراق المرأة لأحد المجالس المنتخبة عن طريق الجمعيات السياسية صاحبة التأثير، أتى عبر فوز سيدة مستقلة، لا يعرفها الكثيرون خارج دائرتها الانتخابية.
هذا الفوز هزم كل مساعي عدم تمكين المرأة، وفند كل الذرائع التي تسوقها بعض الجمعيات السياسية لاخفاء موقفها المعادي لانتخاب المرأة، بحجة أن المجتمع غير مستعد لقبول ذلك، فيما تتبارى هذه الجمعيات على كسب أصوات النساء، وحشرهن في الباصات نحو مراكز الاقتراع، وتهديدهن بالويل والثبور إن هن لم يصوتن للمرشح الذي فرضته هذه الجمعيات.
وحققت فاطمة سلمان هذا الفوز في المقام الأول بارادتها وعزمها وتصميمها، خاصة حين عرفنا انها المرة الثالثة التي تترشح فيها للانتخابات البلدية منذ عام 2002، دون أن يثنيها اخفاقها في المرتين السابقتين عن تكرار التجربة مرة ثالثة، معولة على أن الأمور تتغير نحو الأفضل، وأن ما تعذر بالأمس سيكون ممكناً في المستقبل، وفعلت ذلك بهدوء، بعيداً عن أي «هيلمان» اعلامي، أو ضجيج سياسي.
وفي هذا تقدم فاطمة سلمان، من حيث لم ترد، درساً بليغاً لا للنساء وحدهن، وانما للرجال أيضاً، بما في ذلك للجمعيات السياسية التي أخفقت حتى الان في احداث الاختراق الذي قامت به هذه المرأة بجهدها الذاتي قبل كل شيء.
الأمر الثاني الجدير بالوقوف أمامه هو أن هذا التحول الأهم أتى من المحرق تحديداً، من المدينة التي عرفت بأنها قدمت نموذجاً يحتذى به في الانفتاح على الأفكار الجديدة وفي قوة ورسوخ الوحدة الوطنية للمجتمع، وفي اندماج كافة مكوناته في نسيج مديني ووطني واحد، كان أبعد ما يكون عن أشكال الفرقة، قبل أن يدخلها من هيمنوا على شارعها في غفلة من الزمن في التجاذبات الفئوية والطائفية، ولكن مؤشرات الصحوة بدأت تظهر من جديد لا في المحرق وحدها، وانما في مناطق مختلفة في البلاد، وجدير بالمحرق أن يكون لها سبق الريادة في ذلك هذه المرة أيضاً.
لو أن فاطمة سلمان انتظرت أن تتبناها واحدة من جمعيات الاسلام السياسي، فتشملها برعايتها الانتخابية، لطال انتظارها دون أن يتحقق ذلك، وربما لو حدث هذا التبني لأضعف فرصها في الفوز، لأن المجتمع البحريني يسعى لاستعادة عافيته، بأن يعود الى سويته التي كانت يوم كان الاعتدال الديني، البعيد عن كل غلواء، هو سمة هذا المجتمع.
ولولا مزاج الاعتدال والتسامح هذا لما امكن للبحرين أن تكون ما كانت، حيث بات المثل يضرب بها في الانفتاح على الجديد، وفي تفاعل الأقكار والاراء، وتوليد قيم الحداثة المنبثقة من حاجات المجتمع، والمنسجمة مع روحه وديناميكيته الداخلية المنفتحة على الآخر بدون خوف أو عقد.
لا أريد أن أفتعل لفوز فاطمة سلمان أبعاداً ليست فيه، ولكن لا يجب عدم رؤية ما يحمله هذا الفوز من بشارة لتحولات مقبلة، إن وجدت من يثابر في سبيلها.
صحيفة الايام
8 نوفمبر 2010