استعيد الآن ذاكرة عام 2002 وذاكرة عام 2006 كدورتين انتخابيتين ، كنا نرى فيها الزهو السياسي والغطرسة المتناهية من بعض الأصوات السياسية والإعلامية ، إزاء الآخرين وتحديدا الشماتة الكبيرة والمخجلة ضد مرشحين من اليسار والليبراليين ، وكنت يومها من ضمن المترشحين . فتحت مقالات ذلك الوقت وتصفحت بعض الجمل ، فإذا بنا نحن الآخرين مهما كان لون توجهنا السياسي لسنا إلا « شرذمة « جاءت فجأة وطارئة على العمل السياسي . يومها فضلت الصمت لكون المساجلات الانفعالية لا تجدي نفعا ، فمن لا يقرأ حركة التاريخ لا يمكنه هضم مفردة ومقولة قانون التطور والتغيير وسنن الكون المتبدلة ، اذكر المقالة جيدا كيف تطاولت علينا ووصفتنا بنعوت مخجلة ، فقلنا من الأفضل ترك اللحظة فنشوة الانتصارات المؤقتة تاريخيا لن تجعلهم يفوقون من سباتهم ، فكانوا ملوك الطوائف العتاة وأسياد زمن مؤقت في ترانزيت التاريخ ! نعم في التاريخ هناك ترانزيت ، ثم تتحرك عجلة التاريخ في الاتجاهات الموضوعية المعاكسة، حتى وإن كانت رغبتنا الذاتية تغيير الكون وما لا يمكن تغييره لكوننا نعاند قوة التاريخ وسطوته. بعد خسارتي في الدورة الأولى أمام النائب السابق سعدي والعسومي واللذين تواجها في دورة ثانية ، في الأسبوع الفاصل طلبني السعدي للتحدث في مجلسه بعد أن هنأءته بنتيجته .
كانوا الأخوة في ضفة العسومي غيارى لماذا تحدثت هناك فتوهموا إنني ذاهب لعقد صفقة وصب الأصوات في صندوق سعدي ، غير أن الكلام الذي دار في المجلس يهمني أن اكتبه للتاريخ ، وهم شاهدين عليه بما فيه بعض من مفاتيح حملته الانتخابية ، يومها قلت لهم إن النسبة التي حظيتم بها لا تتعدى السقف الذي حصلتم عليه في انتخابات البلدية وهؤلاء معيار واضح لقوتكم وحدودكم ، ولن تستطيعوا تحقيق رقما اكبر من هذا السقف ، إنما العكس فمؤشرات المستقبل تبدو إنكم ستهبطون ، فهذه حدودكم وإمكانياتكم ، احدهم قال لي إن الكلام الذي تقوله كلاما خطيرا ، ولكن الأيام أكدت لهم تلك المساحة المتاحة من الأصوات في دائرتنا ، فربح العسومي المقعد في عام 2006 ، وعاد وانتشله من بين أيديهم هذه المرة بكل سهولة ، منتزعا من أيديهم أيضا البلدية ، لتنسجم الدائرة بقطبيها النيابي والبلدي ، بحيث لا يكون للمنبر الإسلامي مكانا في تلك الدائرة . ومن مساحة الحورة والقضيبية ، كان سريان التغيير يجري في قاعدة وشعبية جمعية المنبر الإسلامي ، إذ كانت خسارته تراجيدية بكل معنى الكلمة ، بل وكانت المقاعد الثلاثة كلها عرضة للضياع لولا أن لعبت عوامل عدة لإنجاح مرشحيهم ، حيث لم يكن للتخطيط والقدرة الشعبية في الدائرة حضور ملموس كالدورتين السابقتين .
الفاجعة ليست فقط في خسران دوائر عدة ، وإنما بهزيمة الأمين العام للمنبر الإسلامي وهو ليس عمودها الفقري ، وكان من المفترض أن يشعر بطمأنينة انتصاره أكثر من غيره نتيجة مكانته السياسية والدينية والنيابية ، فكيف انحسرت الأصوات لتنظيم بهذا الحجم في مناطق عدة ؟، وهم الذين يمتلكون كل وسائل وعوامل الحركة والتأثر ولاتصال والطاقة البشرية والمالية ؟ علينا أن نفتش عن الخلل في أداء هذه الجمعية خلال الدورتين وعدم الوفاء والالتزام أمام الناخبين بوعودهم ، فكان لابد وان يحدث شرخ كبير بين قاعدة جماهيرية واسعة كانت معها ثم فجأة انفضت عنها بتلك الصورة.
للآخرين دور في سحب بساط تلك القاعدة من تحت أقدامهم ، غير انك لا يمكن أن تحرق وتسحب بساطا عن جمعية إن لم تكن في الأداء النيابي أخلت بمصداقيتها أمام الناخبين ، فعاقبوها بنقل أصواتهم للمستقلين والأصالة بل ولأي مرشح قد يحمل لهم تجربة جديدة ووعودا لا بد من امتحانها .
الخذلان والتخلي كان هو العقاب النيابي من الناخبين للمنبر الإسلامي ، الذي قال كثيرا في حملاته الانتخابية ، وفعل قليلا أثناء صمته النيابي الطويل إلا فيما هو شكلي ، لم يشفع لهم عند لحظات المساءلة في أمسيات الحملات الدعائية. بإمكان أي جمعية الحفاظ على أعضائها الملتزمين ، ولكن من الصعب الحفاظ على قاعدة متعاطفين ومؤيدين لك نتيجة تجارب سابقة ايجابية كالأعمال الخيرية ، ولكن عند دخولك اللعبة السياسية ، فان الإرادة الشعبية لها مطالب مختلفة ورؤية قد لا يمكنها أن تنسجم معك طول الوقت ، فعيونهم تراقب فعلك وآذانهم تسمع صوتك ووعيهم يتربص بسلوكك السياسي، ولكنك تتجاهلها دون وعي ، ولكن عند لحظة الامتحان العسير أمام صناديق الاقتراع ، هناك تكتشف لماذا صرت وحيدا بلا «قاعدة شعبية واسعة متغلغلة « تسعد خيلاءك السياسي وتهز شجرتك من الجذور حتى الأوراق والأغصان .
دون شك مثل هذه الفاجعة ستنعكس بقوة تنظيمية على القيادة والكوادر وكل الطاقم المسؤول ، إذ عليهم إعادة قراءة النتائج بشكل معمق ، وتشكيل دم قيادي جديد للمنبر الإسلامي ، يفهم اللعبة بشكل مختلف وينظف بيته ويستعيد الثقة المفقودة فرغم اختلافي معهم أنا مع التعددية والتنوع العقلاني في المجلس لحفظ التوازن .
صحيفة الايام
7 نوفمبر 2010
كانوا الأخوة في ضفة العسومي غيارى لماذا تحدثت هناك فتوهموا إنني ذاهب لعقد صفقة وصب الأصوات في صندوق سعدي ، غير أن الكلام الذي دار في المجلس يهمني أن اكتبه للتاريخ ، وهم شاهدين عليه بما فيه بعض من مفاتيح حملته الانتخابية ، يومها قلت لهم إن النسبة التي حظيتم بها لا تتعدى السقف الذي حصلتم عليه في انتخابات البلدية وهؤلاء معيار واضح لقوتكم وحدودكم ، ولن تستطيعوا تحقيق رقما اكبر من هذا السقف ، إنما العكس فمؤشرات المستقبل تبدو إنكم ستهبطون ، فهذه حدودكم وإمكانياتكم ، احدهم قال لي إن الكلام الذي تقوله كلاما خطيرا ، ولكن الأيام أكدت لهم تلك المساحة المتاحة من الأصوات في دائرتنا ، فربح العسومي المقعد في عام 2006 ، وعاد وانتشله من بين أيديهم هذه المرة بكل سهولة ، منتزعا من أيديهم أيضا البلدية ، لتنسجم الدائرة بقطبيها النيابي والبلدي ، بحيث لا يكون للمنبر الإسلامي مكانا في تلك الدائرة . ومن مساحة الحورة والقضيبية ، كان سريان التغيير يجري في قاعدة وشعبية جمعية المنبر الإسلامي ، إذ كانت خسارته تراجيدية بكل معنى الكلمة ، بل وكانت المقاعد الثلاثة كلها عرضة للضياع لولا أن لعبت عوامل عدة لإنجاح مرشحيهم ، حيث لم يكن للتخطيط والقدرة الشعبية في الدائرة حضور ملموس كالدورتين السابقتين .
الفاجعة ليست فقط في خسران دوائر عدة ، وإنما بهزيمة الأمين العام للمنبر الإسلامي وهو ليس عمودها الفقري ، وكان من المفترض أن يشعر بطمأنينة انتصاره أكثر من غيره نتيجة مكانته السياسية والدينية والنيابية ، فكيف انحسرت الأصوات لتنظيم بهذا الحجم في مناطق عدة ؟، وهم الذين يمتلكون كل وسائل وعوامل الحركة والتأثر ولاتصال والطاقة البشرية والمالية ؟ علينا أن نفتش عن الخلل في أداء هذه الجمعية خلال الدورتين وعدم الوفاء والالتزام أمام الناخبين بوعودهم ، فكان لابد وان يحدث شرخ كبير بين قاعدة جماهيرية واسعة كانت معها ثم فجأة انفضت عنها بتلك الصورة.
للآخرين دور في سحب بساط تلك القاعدة من تحت أقدامهم ، غير انك لا يمكن أن تحرق وتسحب بساطا عن جمعية إن لم تكن في الأداء النيابي أخلت بمصداقيتها أمام الناخبين ، فعاقبوها بنقل أصواتهم للمستقلين والأصالة بل ولأي مرشح قد يحمل لهم تجربة جديدة ووعودا لا بد من امتحانها .
الخذلان والتخلي كان هو العقاب النيابي من الناخبين للمنبر الإسلامي ، الذي قال كثيرا في حملاته الانتخابية ، وفعل قليلا أثناء صمته النيابي الطويل إلا فيما هو شكلي ، لم يشفع لهم عند لحظات المساءلة في أمسيات الحملات الدعائية. بإمكان أي جمعية الحفاظ على أعضائها الملتزمين ، ولكن من الصعب الحفاظ على قاعدة متعاطفين ومؤيدين لك نتيجة تجارب سابقة ايجابية كالأعمال الخيرية ، ولكن عند دخولك اللعبة السياسية ، فان الإرادة الشعبية لها مطالب مختلفة ورؤية قد لا يمكنها أن تنسجم معك طول الوقت ، فعيونهم تراقب فعلك وآذانهم تسمع صوتك ووعيهم يتربص بسلوكك السياسي، ولكنك تتجاهلها دون وعي ، ولكن عند لحظة الامتحان العسير أمام صناديق الاقتراع ، هناك تكتشف لماذا صرت وحيدا بلا «قاعدة شعبية واسعة متغلغلة « تسعد خيلاءك السياسي وتهز شجرتك من الجذور حتى الأوراق والأغصان .
دون شك مثل هذه الفاجعة ستنعكس بقوة تنظيمية على القيادة والكوادر وكل الطاقم المسؤول ، إذ عليهم إعادة قراءة النتائج بشكل معمق ، وتشكيل دم قيادي جديد للمنبر الإسلامي ، يفهم اللعبة بشكل مختلف وينظف بيته ويستعيد الثقة المفقودة فرغم اختلافي معهم أنا مع التعددية والتنوع العقلاني في المجلس لحفظ التوازن .
صحيفة الايام
7 نوفمبر 2010