انفض سامر الانتخابات ولنا فيها دلو ندليه.. نبوبه كالتالي:
الشارع السني.. تفوق على نفسه ..
هذه المرة.. تمرد الشارع السني على الإملاءات وسلطة الجمعيات وتمسك بتلابيب المستقلين.. لم يقف عند جزئيات : كهذا مصليً وهذا هاجرٌ للمسجد ، وهذا حليق وذاك ملتحي، وهذا ” حبوب” وذاك نزق بل.. تصرف بفطنة وبرغماتية بعد أن درس في جامعة ألاعيب السياسة لـ 8 سنوات وختم الدرس وتخرج.. بخيبة !
فالشارع السني ، وخلافاً لما يرى على السطح، يغلي بالرغبة في التغيير ويحترق من الداخل جراء هدر حقوقه ولكنه لا يجد من ينطق بصوته لأن جُل من يحلفون باسمه مداهنون وصوليون. هذه المرة.. كشر عن أنيابه، ووجه صفعة مدوية لكل من استهان به واستهتر بأحلامه.. لقد خرج السلفيين والأخوان هذه المرة بست مقاعد وبشق الأنفس ” أقل من نصف مقاعدهم السابقة بالمناسبة” ولولا فوز عادل المعاودة بالتزكية بعد انسحاب منافسه في ظروف غامضة، ووجود اثنان من أصل هؤلاء الستة في مناطق جمعية ( وعد) المغضوب عليها، لخرجت ” الأصالة والمنبر” بنصف هذا العدد على الأرجح..!!
هي على كل حال رسالةٌ لهم وللمستقلين الذين خلفوهم أيضاً :
لا تستغلوا هؤلاء الطيبين ولا تفهموا سكوتهم خطأً.. تجنبوا الاصطدام مع الحكومة على حسابهم وستندمون.. فعندما يتألم الشارع السني من التجنيس ومن هدر المال العام وعدم عدالة توزيع المساكن ويجد من أنابهم لتمثيله يتجاهلون أنينه فأنه يغضب..
وإياكم.. إياكم وغضب الحليم ..
الشارع الشيعي .. و” سنور” الوفاق ..
على الضفة الأخرى لم تبتعد خيارات الشارع الشيعي بوصة واحدة عن سابقتها.. تشبثوا بالوفاق واسقطوا المستقلين بالجملة لأسباب لا يغفلها ناظر :
· فحتى أشهر قليلة مضت كان هناك تململٌ واسع من أداء بعض وجوه الوفاق ومن الأداء المتواضع لكتلةً هي الأكبر في البرلمان.. لاشك لمعت بعض وجوه الكتلة وتألقت ولكن السواد الأكبر كان ” تكملة عدد” وكثيرٌ منهم أغضب بجفائه وإهماله أهل دائرته ما وشى بأن الناس ستتطلع لتغييرهم ولكن.. بدأت الحملة الأمنية وتزامنت معها حملاتٌ شرسة للتشكيك بولاء الشيعة بغرض تشويه علاقتهم بمؤسسة الحكم وأطياف المجتمع وهو ما أدى – بطبيعة الحال- لتكتل الجماهير المذعورة والتفافها حول الوفاق ” باعتبارها التجمع الأكبر والأكثر تنظيماً في الصف الشيعي “..
بدورها استثمرت الوفاق – بذكاء- ما وجه لها من سهام حقودة لإثارة ” الفزعة” لقائمتها بغض النظر عن كفاءة شخوصها ومستوى القناعة بهم.. هذه المرة لم تلعب الوفاق على وتر ” الجنة وجهنم ” كما فعلت قبلاً بل عزفت ، بكل اقتدار، على وتر ” تحديات الطائفة” فاستحثت الجموع لنصرتها.. وأطرف تعليقً يختصرُ المشهد هو ذاك الذي سمعته محدثتكم من شاب قال ” شوفي أستاذة؛ لو ترشح الوفاق سنور..بعد بننتخبه” !!
· خدم الوفاق أيضا أن الوجوه التي نافستها كانت إجمالاً مغمورة، حتى تصور البعض أنها مدفوعة ” لسرقة” مقاعد من الوفاق كما راجّ.. أما المستقلين من أهل العلم والسياسة والكياسة فتقاعسوا عن الترشح خوفاً من المغامرة بجهودهم وأموالهم مقابل فتوى صغيرة – قد- تخرجُ في ساعة الحسم فتسقطهم..!
ولا يمكن هنا أن نغفل مدلولات حصول د. حسن مدن على 44% من أصوات الدائرة التي نافس فيها جواد فيروز. وأحدس أن د.مدن لو نافس الوفاق في غير منطقة فيروز، وهو من أقوى وأكفأ عناصر الوفاق، لفاز.. بيد أن ظفر د.مدن بهكذا نسبة – في منطقة فيروز بالذات– تعطينا مؤشراً إيجابياً ينبئ أن الناس ، إن وجدت بدائل مقنعة في المستقبل للوفاق، فستنحاز لها.. لا نقول ذلك كرها في الوفاق – حاشا- فهي جمعية مجتهدةٌ وطنيةٌ لها وعليها.. ولكن الوفاق ليست ولية أمر الشيعة.. ولا تمثل كل شيعة البحرين على الأرض لتحتكر تمثيلهم في البرلمان. لذا نتمنى أن يذوق الناس عنب سواهم سيما أن تجربة الدورة الأولى ” بوجود عبد النبي سلمان ومرهون وغيرهم” أثبتت أن هناك كفاءات ضمن الطائفة تستطيع ان تمثلها وتمثل الوطن دون إثارة حساسيات مذهبية..
عموما قد يتغير، نتمنى أن تتغير، مقاربات الوفاق هذه المرة.. لئلا يضربها برق السخط في المرة القادمة..
الإعلام الأخرق.. والدرس القاسي :
شاءت بعض الجهات في الدولة أن تخلق ماكنة أعلام تخدمها وتمثلها فرعت كيانات وزرعت أقلاماً هنا وهناك لتنفذ توجهاتها وتخوض حروبها.. تلمع هذا وترمى ذاك بالوحل وتشوش بث هذه الكتلة و” تدفدف” على تقصير تلك.. ولهذا الغرض سُخرت أموال طائلة ( أحد الزملاء قال لي في لحظة طيش وأنا أطالبه بالكتابة بضمير ” وهل ستدفعين لي 5 آلاف شهريا” فعقد لساني، فإن كان كاتب متواضع الشعبية والموهبة يحصل على ” أكرامية” كهذه.. فلابد أن تتساءل علام يحصل سواه )!!
ليس هذا موضوعنا على أية حال.. بل دراسة حقيقة أن من روجت لهم هذه الترسانة الإعلامية بتأدً وثبات لسنوات ؛ سقطوا.. ومن تغتصبُ سمعتهم ومصداقيتهم على الورق كل صباح فازوا أو تعملقت شعبيتهم تعاطفاً معهم ” وعدُ مثالا”.. وفي تلك رسالةٌ مهمة للجهات ” الحاضنة” لتعيد النظر، بشكل جدي ، في تمويل تلك الاطروحات التي – لم تثبت فشلها فحسب- بل وأنها تأتي بنتائج عكسية !!
العسكريين .. بقعة الحبر
لا يمكن لمنصف ان ينكر كم كانت الانتخابات شفافة ونزيهة ، مخالفاتها لا تكاد تذكر وتنظيمها مُبهر، وحتى المراكز العامة التي يُرعد ذكرها فرائصنا لم تؤثر في النتائج ” من فاز فاز بصناديق منطقته ومن خسر خسر بسببها ” سارت الأمور بسلاسة – نقول- ولكن بقعة الحبر التي لوثت ثوب الانتخابات كانت تجيير أصوات العسكريين.. أولاً بإجبارهم على التصويت رغم كونه اختياريا ” مشهد العسكريين الذين منعوا – لسبب ما- من التصويت وهم يترجون المشرفين لختم جوازاتهم خشية التعرض للعقاب كان مألوفاً في عددً من المراكز”.. أضف لذلك ما أُشيع في صفوفهم – عمداً- من أن الدولة ستعرف لمن منحوا صوتهم من خلال العلامة اللامعة في الورقة..!
عدد العسكريين في البحرين ليس بالهين. هم 30 ألف أو يزيد متمركزون في مناطق معينة وتجييرهم لصالح أسماء بعينها غير معالم النتيجة دون شك في بعض المناطق.. وكل تلك ممارسات يجب التحقيق فيها من قبل ذوي القرار لمحاسبة من بدرت منه – أو بمعيته- لما فيها من هتك لحقوق العسكريين والمرشحين في آن..
وعد.. هزيمة بطعم النجاح..
كنا نأمل أن تزخرف وجوه “وعد” مقاعد المجلس لتكتمل تلاوينه ولكن..ما تحقق المنى ولعل الرابعة.. تكون الثابتة !!
رموز ” وعد” استفادوا من فترة الانتخابات للتعبير عن أطروحاتهم ونشر أفكارهم والتقرب من الشارع – وهذا بحد ذاته مكسب- واللافت أن شعبية ” وعد” تتزايد مع كل هزيمة.. ولهاته الكفاءات المغيبة نقول: لستم بحاجة للبرلمان لتمثلوا الشعب.. كل من لديه صوت وحجة ومنطق وقلم من حقه أن يمثل الشعب بطريقته.. استثمروا ما اكتسبتموه في الانتخابات من صيت ولا تدخلوا في “بيات نضالي” حتى الانتخابات القادمة.. كونوا نواب غير متوجين والميدان لكم وسماء البحرين قبتكم..
*****
قُضي الأمر اليوم وما لنا إلا أن نقول ختاماً سوى حفظ الله البحرين وأهلها الطيبين من الدسائس والخبث والخبثاء..
رب وفق أهل البحرين لنواب يصدقونهم ويمثلونهم ولا يمثلون عليهم ..
رب أحفظ ملكنا وقيادتنا من بطانة السوء واحفظ شعبنا من سماسرة الفتن وتجارة الذمم..
انك سميع مجيب عالم بالحال بلا مشتكي ..
حرر في 2 نوفمبر 2010