يمكننا القول بقدر من الاطمئنان أن نتائج الانتخابات الأخيرة أفرزت، على صعيد الكتلة الانتخابية السنية، نواباً يعكسون صوراً من التنوع الموجود في هذه الكتلة، بينما تمخضت هذه الانتخابات، على صعيد الكتلة الانتخابية الشيعية، عن نواب من هوى حزبي واحد، هو هوى الوفاق، التي لها ما لها من نفوذ لا نجادل بشأنه، ولكن، الناخبين الشيعة، شأنهم شأن اخوانهم السنة، عبارة عن أهواء وأمزجة وميول، سياسية واجتماعية مختلفة، من المستحيل قولبتها، قسراً، في مزاج واحد.
بهذا المعنى يصح الحديث عن تعددية سنية لمسناها في نتائج الانتخابات، وعن أحادية شيعية لمسناها في هذه النتائج أيضاً، وهذا يتطلب بعض الشرح.
صحيح أن مرشحي جمعيات التيار الوطني الديمقراطي الدوائر ذات الكثافة السنية: مرشحو «وعد» الثلاثة، ومرشح المنبر التقدمي غازي الحمر في مدينة عيسى لم يوفقوا جميعا في الوصول الى مجلس النواب، رغم النتائج الطيبة التي حققوها، مما أضر بـ«بانوراما» التنوع التي نتحدث عنها في الكتلة الانتخابية السنية وأفقدها أحد مكوناتها، لكن هذا التنوع عبر عن نفسه في بقية النتائج.
فرغم انحسار تمثيل الجمعيتين الرئيسيتين في الاسلام السني: المنبر الاسلامي والأصالة، ألا أن الجمعيتين حافظتا على تمثيلهما في المجلس، بما يتناسب مع حجميهمها ونفوذهما في اللحظة الراهنة، وبما تركه الحراك الانتخابي لحظتها من آثار، فجاء نوابهما الذين تقلصوا حتى النصف ليمثلوا قاعدة انتخابية معينة مازالت متعاطفة معهما.
المساحة المنحسرة من نفوذ الجمعيتين غطاها من باتوا يعرفون بالمرشحين المستقلين، من رجال الأعمال والتكنوقراط الأقرب الى النزوع الليبرالي، الذين علينا أن ننتظر كيف سيكون أداؤهم في المجلس المقبل، ولكن يظل مهماً أن الشارع، خاصة في المحرق، بات بمزاج يقبل بهؤلاء ممثلين له، بعد أن ضاق ذرعاً بهيمنة الجمعيات الاسلامية على كامل المشهد النيابي، فأتت اجمالي النتائج هناك لتحمل التنوع الذي تحدثنا عنه.
في الدوائر ذات الكثافة الشيعية، اذا ما ضربنا صفحاً عن أساليب التسقيط التي استخدمتها الوفاق ضد منافسيها، وهو ما توقفنا أمامه في الحلقات السابقة من سلسلة هذه المقالات، سواء كان هؤلاء المنافسون مستقلين أو منتمين لتيارات سياسية، فان جهوداً أكبر يجب أن تبذل في المستقبل لينعكس التنوع الفكري والاجتماعي والسياسي القائم في هذه الدوائر في حصيلة الانتخابات القادمة، خاصة بالنظر الى حجم الأصوات الكبير الذي حصده منافسو الوفاق، حتى لم يؤهل أي منهم للفوز هذه المرة.
التنوع والتعدد هو سمة المجتمع البحريني، كما هو سمة أي مجتمع من المجتمعات، حيث التراتبية الاجتماعية والتمايزات الثقافية واختلاف أنماط الحياة لدى الشرائح المختلفة، وبعد ثماني سنوات من التجربة النيابية في البلاد يمكن القول إن المجتمع خطا ولو خطوات قليلة للأمام في أن تعكس مخرجات الانتخابات هذا الأمر، مما يشير الى ان التطور الموضوعي للأمور يسير في الاتجاه الصحيح.
لكن الأمور لن تظل سائرة في هذا الاتجاه من تلقاء نفسها، ولنا حديث حول الدروس المريرة التي تعلمناها من خوضنا للانتخابات الأخيرة، التي تشير الى كم من الجهد يجب أن يبذل في سبيل ذلك، والى الجرأة المطلوبة في اقتحام الدروب غير المطروقة، لا الاحجام عن ذلك بالتماس التبريرات والأعذار.
صحيفة الايام
6 نوفمبر 2010