المنشور

مجلس النواب الجديد

كان المتوقع هو استمرار أحجام الكتل المذهبية السياسية الثلاث، لكن الصورة تبدلت، وأشار تطور وضع المستقلين إلى أن الليبرالية الواعدة تتقدم بأشكالٍ غامضة غير مبتلورة سياسيا حتى الآن، وهذه تعبر عن أن الناخبين لم يكونوا جامدين عن الدورة السابقة.
المدن ذات التوجهات الاقتصادية والتجارية تتطور باتجاه الانفتاح أكثر، فلا تشكل اتجاهات محافظة ثابتة.
والمناطق الريفية خاصة تتعاضدُ راغبةً في مزيدٍ من التطورات الإيجابية في الحياة الاقتصادية والمعيشية والتعليمية والإسكانية.
ويبدو ان المجلس القادم سيكون أكثر تعاوناً مع الحكومة في مسائل التطورات الحداثية، والإسراع في إنجاز التحولات الاقتصادية والخدماتية المختلفة.
إن استمرار الوضع السياسي البرلماني كما هو يعبر عن وضع المنطقة التي تعيش ظروفاً محفوفة بالمخاطر الكبيرة، وخاصة بروز طابع المواجهة والمخاطر العسكرية المركزة على ما يُسمى البرنامج النووي الإيراني، هذه تفرضُ على المؤسسات الرسمية البحرينية البقاء في الخطوط السياسية الحمراء نفسها، مع إتاحةِ الفرص للقوى السياسية ذات الحضور السكاني في نقدِ المشكلات وتقديم الحلول لها وتطوير الوضع في البلد.
الجماهير ذات ثقافة سياسية شفافة متحسسة للتطورات والأوضاع العامة والمناطقية ويتنوع حراكها لتفرز مثل هذه القوى، ويغدو حراك النواب في المجلس متحسساً أكثر فأكثر لحاجات الناس، الذين لا يريدون لافتات سياسية براقة بل أعمالاً محسوسة على الأرض.
ربما لو كانت الظروف الإقليمية غير ما هي عليه لكانت صيغة المجلس المنتخب مختلفة، وتشجيع التطرف والعنف ينعكس سلباً على تطور العلاقات بين القوى الحكومية والشعبية وعلى صيغة هذا “البرلمان” الذي يبقى بشكله الراهن، وهذه القوى السياسية المتعددة يجب أن تتعاون بشكل واسع لحل مشكلات اجتماعية أكثر منها سياسية، والطرفان مارسا خبرة في التعامل تتيح لهما أن يعملا بقوة وتوسع وانفتاح على بعض من أجل حل هذه المشكلات ولتغييب المماحكات والتوجه إلى درس المشكلات والقضايا الكبرى الاقتصادية والإسكانية والصحية والمعيشية وتقديم المشروعات لها بدلاً من إضاعة الوقت الثمين في الخلافات.
وكلما قدرت هذه القوى على تحقيق تقدم ملموس لحال الشعب كسبت ثقته وجددت نفسها وطورت الهياكل المنتخبة وحولتها إلى مؤسسة راسخة ذات إمكانيات سياسية ومعرفية لها مدى واسع في رصد المشكلات وأرشفتها وتحليلها وتشكيل اللجان الخبيرة، بحيث يتركز دور النواب فيما هو جوهري في مشكلات الواقع، بدلاً من البداية من الصفر وتكون أمامهم ملفات عميقة وخلفيات اجتماعية سياسية وقدرة على تقديم الأسئلة والمشروعات.
لا شك أن التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية هو بؤرة الحالة السياسية المحلية، ولم نصل حتى إلى معرفة أسباب هذه المشكلة المحورية في الحياة السياسية وضعف العلاقة بين الطرفين، وعدم تطورها العميق.
يقول أحدُ نواب كتلة الأصالة إن الجواب عن سؤالٍ طرحهُ استغرق أكثر من سنة ونصف سنة! (راجع تقرير كتلة الأصالة عن إنجازاتها في الدورة السابقة).
هذا الجمود النسبي تستغلهُ قوى أخرى للمزايدة وتطرح فشل هذا التعاون وبضرورة نقضه بقفزات في الهواء.
لا شك أن دراسات النواب للوضع السياسي العام وللتحولات الاقتصادية الهائلة في العالم، ومشكلات الموارد، سوف تتجه إلى التركيز فيما هو جوهري من تغيير أحوال الناس، وتناول القضايا الاقتصادية والاجتماعية الكبرى من قضايا سكن وبطالة وضعف أجور خاصة في القطاع الخاص وضعف إدخال النساء في ميدان العمل الاقتصادي وضرورة تطور الخدمات الصحية بشكل نوعي، وضرورة أن ينعطف التعليم لإنتاج كوادر تقنية وفنية وعمالية ماهرة بدلا من سيادة المناهج النظرية والدراسات الفكرية، وبضرورة إيجاد ترابط بين التطورات الاقتصادية والسكانية البحرينية وبين التدفقات العمالية الأجنبية والاستيرادية، أي طرح خطط عامة أساسية تحدث فيها توازنات بين تطور الخدمات والإنجازات المحلية وبين الانفتاح على الخارج، وليس أن يطغى الاستيراد وحاجاته على النمو الداخلي الأقل.
ربما تتخفف الأدلجة والشعاراتُ من هذا المجلس المنتخب ويركز فيما هو عملي وتحولي في حياة الناس، ويجمع النواب بين تحسس مشكلات الناس في مناطقهم والقضايا الجوهرية العامة للبلد.

صحيفة اخبار الخليج
2 نوفمبر 2010