استكمالاً إلى ما ذهبنا إليه من معطيات في مقال الأسبوع الماضي، وبحسب معايشة الحدث الانتخابي الذي نعيش مجريات الأسبوع الأخير منه في الوقت الراهن، يبدو جليًا للعيان طبيعة تحول المشهد الانتحابي من جوانب عدة، ربما تختلف إلى حد كبير عما كانت عليه في انتخابات الفصلين التشريعيين السابقين، وذلك من حيث طبيعة الحراك الانتخابي والقوى التي تتنافس فيه، ومستجدات الخطاب الذي تلاشت من خلالها والى حد كبير بعض تلك الشعارات وحتى الملفات التي كانت فاقعة وذات وقع خاص في انتخابات الفصلين المنتهيين. ونستطيع أن نفهم من خلال ذلك، أن الواقع الانتخابي والسياسي بشكل عام هو واقع متحرك ومتحول لا يقبل السكون، ربما أسرع حتى من بديهة بعض القوى الاجتماعية التي أدمنت العيش في واقع وشهوة الهيمنة من دون أدنى حسابات للمستقبل، بل انه واقع اجتماعي وسياسي يرفض بطبيعته القوالب الجاهزة التي يراد لها أن تُبقي هيمنة قوى بذاتها على المشهد أياً كانت هشاشته وسوء مخرجاته وما يحمله من أفق مسدود أمام الجميع من دون استثناء، وأيا كان حجم تلك القوى وبرامجها، يحدث ذلك في بلادنا وفي كثير من بلدان العالم الإسلامي تحديدا، دون أن نتعلم شيئًا من تجارب مريرة سبقتنا، رغم علمنا جميعًا أن بقاء الحال من المحال كما يقال، وفي ظل غياب الحد الأدنى من الفهم الموضوعي لدى القوى المهيمنة بسطوتها على وعي الناس، لطبيعة وأدوات الصراع والقوى المؤثرة فيه، والذي يلتصق بشكل أو بآخر بالحراك البرلماني والسياسي برمته، كونه أحد محفزات قوى التغيير الاجتماعي، خارج وضمن إطار المنظومة الجامدة ذاتها.
من خلال جولاتي الانتخابية وتفاعلي مع أجواء وحوارات الجمهور في الخيم والمراكز الانتخابية للعديد من المرشحين، أستطيع أن أقول – بتجرد – إن مطلب التغيير كان حاضرًا وبقوة، وكانت اللاحظات النقدية القاسية الغالبية طاغية وبقوة مضاعفة على طبيعة المشهد وعناوينه وتقسيماته، ويكفي أن نقول إن مؤشرات التغيير- ولو بأي ثمن – قد بدت جلية في عدة وجوه، لعل من بينها طبيعة القوى الجديدة التي دخلت معمعة الانتخابات، وطبيعة البرامج وتركيزها وحتى طبيعة الحراك المطلبي ذاته، والذي تكاد مختلف القوى والشخصيات المستقلة أن لا تتمايز كثيرًا فيما بينها حوله، كما أن انعكاسات المشهد الاقتصادي وما خلفته الأزمة الاقتصادية والمالية من مخاوف حقيقية لدى الناس على مستقبلهم، وما استدعاه ذلك لدى الجميع تقريبا من قلق مشروع، أحيانا بوعي وتارة بغيره، وأحيانا عبر لغة شعاراتية ليست تفقه بالضرورة ما تقول، لكنها المسايرة التي ربما تسعف أصحابها الفرصة لبلوغ قبة البرلمان ولو بضربة حظ!
لقد لفت نظري مقال لأحد الزملاء من كتاب «الأيام» وهو الأخ عصام سعد الشروقي، والذي هو محسوب كما اعتقد على توجهات الإسلام السياسي المنفتح، وضمن سلسلة مقالات له تحت عنوان « نصيحتي للإسلاميين، قوله «لا يمكن أن يختزل المجلس النيابي في مجموعة أفراد أو كتل محددة، فالمجلس مفهومه أكبر وأشمل من أن يحدد برؤية واحدة وأيا كانت هذه الرؤية وأيا كانت الأسباب» وكذلك قوله « أن الرؤية السياسية المتخصصة ليس من العقل الرشيد أن نشترط لقبولها اشتراطات دينية محددة تكون مقياسا لتحديد المرشح المؤهل لكرسي البرلمان مما يعني سيطرة رؤية أحادية تهيمن على الواقع السياسي والتشريعي في بلد تعددي!! وقوله أيضا « ان سيادة خط فكري معين على مجريات المجلس النيابي لن يكون مصدر خير وعافية كما يتوهم الكثيرون».
تلك وغيرها بالضبط وجهات نظر سبق أن طرحناها في حواراتنا ومداولاتنا مع بعض قوى الإسلام السياسي بشقيه، لكننا لم نجد بكل أسف جوابًا شافيًا يفصح على الأقل عن مجرد محاولتها الخروج من جمودها وعصبيتها لما يمكن أن يفتح الباب أمام الوطن للنهوض، وأمام تلك القوى لتستعيد نفسها ولتتواضع في حضرة الوطن وإرادة الناس، بل أنها بدلاً من التفكير في هكذا طرح نراها عنوة تتمادى في الاستناد على قوام الطائفة والمذهب في تكرار طرحها السمج تجاه أي محاولة لتقويم الحراك البرلماني والسياسي في بلادنا بشكل عام، ولذلك نراها توغل في تحفيز قواها الكامنة والظاهرة وعبر لغة وأساليب متهالكة ومتهافتة تصل حد السخرية أحيانا من عقول وقدرات الناس وهي في حموة تمترسها خلف يافطات لا تتورع أبدًا عن توظيف المعتقد ومواقع قرارها لتسقيط وتشويه الآخرين وترهيب الناس وتوعدهم بالجنة والنار وبئس المصير، فقط إن هم امتلكوا جزءًا من قرارهم المصادر وإرادتهم في الحياة بعيدًا عن فكر الوصاية الذي يراد له أن يكون دينًا وعقيدةً.
صحيفة الايام
20 اكتوبر 2010