لا نرى مصلحة وطنية في أن نقبل على انتخابات برلمانية وبلدية بهذا الكم من المنغصات التي تتزاحم حولها الاستنتاجات والتفسيرات والتساؤلات والحسابات..!
لا نناقش الآن ما آلت إليه الأجواء العامة الراهنة، وما يسعى إليه هؤلاء المدججون بالتعصب والأحقاد والضغائن ان يجرونا اليه..!
ولا نناقش موضوع انهماك المواطنين في معمعة الانتخابات، ولا محاولات غلاة الضجيج والتهويل والمآرب الدفع بهذه الانتخابات في اتجاهات بعينها في الشكل والمضمون والأسماء!
ولا نناقش قضية موجات الهجوم والمعارك الجانبية المفتعلة والأضاليل والأكاذيب الهرائية المتمادية هذه الأيام من أطراف بعينها سعت ولا تزال الى تصغير مرشحين بعينهم والإساءة إليهم بأي شكل من الأشكال، وتكبير حجم وشأن ومقام من لا شأن لهم ولا مقام ولا وزن ولا حضور في المشهد المحلي.
كما لا نناقش ما اذا ستكون الانتخابات القريبة المقبلة مثالية تحفظ شيئا من القيمة العامة للعملية الانتخابية ، ولمؤسسة البرلمان أدائها ودورها التشريعي والرقابي المنتظر.
لن نناقش تلك الأمور وان كان كل منها يستحق مناقشة مستفيضة، ولكننا أردنا هذه المرة أن نناقش مسألة هي في دلالاتها وفي سياقها الأوسع اكبر مما بدت عليه، وهنا نعني تحديدا قضية إزالة لوحات انتخابية لمترشحين لمجلس النواب فقط لأنها دعت وتبنت شعار مكافحة الفساد.. وهذا الإجراء الذي كان آخر ضحاياه مرشح المنبر التقدمي في الدائرة الثالثة بالمحافظة الوسطى غازي احمد الحمر، لمجرد انه طرح شعار “شاركونا الأمل لنشهد وطنا خاليا من الفساد”.
لايعنينا في أمر هذا الموضوع إلا أمران الأول تصريح وكيل وزارة شؤون البلديات والزراعة (جريدة البلاد 28 سبتمبر 2010) فالرجل يوضح ويبرر بالقول ان استخدام كلمة”فساد” في إعلانات المترشحين للانتخابات النيابية مخالفة أدت الى إزالة هذه الإعلانات..!!
والرجل يعتبر كلمة فساد التي جاءت في عبارات انتخابية مثل “الوطن أمانة وبسنا فساد”،او “ملاحقة الفساد الإداري والمالي” او”لنشهد وطنا خاليا من الفساد”.. اعتبر هذه العبارات مسيئة للبلد أو النظام أو المرشحين الآخرين..هل هذا كلام منطقي يحترم عقلية الناس..؟
أما الأمر الثاني فهو وبعيدا عن الحيثيات القانونية التفصيلية وهي ان الأصل في الداعية الانتخابية هو حريتها، هذا أولا، ثم ان الغرض من الدعاية الانتخابية هو تعريف الناخبين بالمرشحين وبرامجهم الانتخابية، وتاليا ان القرار الوزاري المنظم للدعاية الانتخابية لانتخابات أعضاء مجلس النواب والمجالس البلدية لا ينص ليس على ان تبني شعار الفساد يعد اساءة للبلد او النظام او المرشحين، بل انه لايتدخل في مضامين هذه الشعارات سوى تلك التي تعد “عبارات مسيئة او غير ملتزمة بالسلوك الحضاري، او تتضمن بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب والآداب العامة والأمن العام او ما يثير الفرقة او الطائفية”.
ما يعنينا في الأمر برمته هو ان هناك من لا يريد الخوض في موضوع محاربة الفساد الذي يجب ان يكون ركنا من أركان اي برنامج انتخابي لأي مرشح يحترم ناخبيه، ويعي الدور الرقابي لمجلس النواب.
ما يعنينا ثانيا هو موضوع التنصل من المسئولية حيث لا احد من اي من الجهات المسؤولة او يفترض انها مسؤولة أعلنت بوضوح ومن دون لبس او غموض بأنها هي التي تقف وراء إزالة الإعلانات فقط لأنها تتبنى شعارا يدعوا إلى الفساد.
ما يعنينا ثالثا ان نذّكر لعل الذكرى تنفع.. نذّكر بان جلالة الملك هو نفسه أشار في أكثر من مناسبة موثقة بالتواريخ والمضمون الى موضوع الفساد داعيا الى مواجهته، وهو الذي في هذا السياق أمر بتشكيل ديوان للرقابة الإدارية “لتفعيل المساءلة وحماية وصون المال العام ومحاربة الفساد الإداري في اعرق إدارة حكومية”، هذا ما قاله جلالة الملك ، كما نذّكر بتلك التصريحات لسمو ولي العهد عن الفساد، وقوله بأنه ليس اضر على التنمية من الفساد، فكيف يصبح طرح شعار محاربة الفساد اليوم إساءة للبلد او النظام؟!!
كما نذكر بتقارير ديوان الرقابة المالية الذي من المفيد ان ننوه الى انه يتبع جلالة الملك ، هذا الديوان يصدر تقارير سنوية عن أوجه الانحراف والفساد في وزارات وجهات رسمية عديدة. كما نذكر بما حدث قبل ايام فقط في إطار الإعلان عن تشكيل لجنة لتنفيذ توجيهات جلالة الملك لإصلاح الحقل الديني حينما طالب المشاركون في الاجتماع التأسيسي للجنة بالوقوف ضد الفساد والمفسدين”الأيام أكتوبر 2010″.
ألا يعني ذلك شيئا لدى هؤلاء الممتعضين والمستائين والمتوهمين بأنهم قادرون أيا كانت قوتهم وقدراتهم ان يمنعوا الناس من الخوض في موضوع الفساد الذي يعانون منه مر المعاناة.
نعلم جيدا بان هناك من يرفع شعارات بصدق، وهناك البعض الأخر يتاجر بها، وهي لا تعني له شيئا، ونعلم ان هناك مترشحون ركبوا متن الشطط فاختلطت في أذهانهم مفاهيم كثيرة ولم يفرقوا بين اختصاصات مجلس النواب ، وصلاحيات المجالس البلدية واتخذوا من شعاراتهم بداية للإعلان عن “اوكازيون” لمشروعات صحية وخدمية وإسكانية في هذه المنطقة وتلك، ونعلم ان هناك من جنح في شعاراته جنوحا اقل ما يقال عنها انه أساء بها إلى نفسه وتمنعوا في الكثير من الشعارات المطروحة الآن، قد ننتفق عليها او على بعضها او نختلف ولكن لا يمكن القبول بالقول بأنها أساءت للبلد او النظام.
نعود إلى أصل الموضوع ..الى بيت القصيد ونقول ان ما حدث يؤكد ان معركتنا ضد الفساد اكبر كثيرا مما نظن وروائح الفساد قوية ونفاذة في مواقع ومرافق شتى.
وما يحدث أمر بالنهاية يثير تساؤلات عما اذا كنا جادون حقا في محاربة الفساد..كما يثير تساؤلا آخر لماذا ينتشر وباء الفساد في البحرين؟!