من أهم الأخبار التي تناقلتها الصحف العالمية بداية الشهر الحالي كان ما تنويه حكومة المملكة العربية السعودية من شراء أسلحة أميركية بقيمة 60 مليار دولار. وفي الأسبوع الماضي أخذت الصحافة العالمية تكتب عن عدوى حمى التسلح التي سرعان ما سرت إلى بلدان الخليج الأخرى. وفي محصلة الأمر فإن بلدان مجلس التعاون الخليجي سوف تشتري أسلحة تصل قيمتها إلى 123 مليار دولار. وتشمل هذه الصفقات طائرات مقاتلة نفاثة، نظما حديثة ومعقدة لرادرات ودفاعات مضادة للصواريخ.
الحجة التي ترتمي في العين لأول وهلة هي أن إيران قد تصبح عاجلا أو آجلا قوة نووية وتمتلك نظما قوية لإيصال الشحنات إلى مسافات قريبة ومتوسطة. وتجري الإشارة أيضا إلى أن الاستراتيجية الأميركية المتبعة حاليا بمواصلة تشديد العقوبات ضد إيران لن تجبر حكومتها الإكليركية على التخلي عن برنامجها النووي. وإلى ذلك أيضا يجري التأكيد على أن ضربات جوية إسرائيلية أو مشتركة مع أميركا للمنشآت النووية الإيرانية أصبحت وهمية أكثر منها خططا واقعية. بينما يشير آخرون بأنه حتى ولو كانت مثل هذه الضربات ستسدد فإن ذلك سوف يؤجل فقط، ولن يلغي دخول إيران نادي القوى النووية العالمي.
وهكذا فإن مكنة إعلام قوية تسيرها قوى الإعلام الغربي قد اشتغلت منذ زمن لتبرر أهمية استعداد دول مجلس التعاون الخليجي لليوم الذي قد تتعين فيه مواجهة جارها المدجج بالسلاح النووي. وتمضي مكنة الإعلام في سوق تبريرات إضافية حتى لاحتمال تطورات الأوضاع الداخلية في إيران أو من حولها، قد تؤدي إلى وصول نظام يتصف بالعقلانية إلى حكم إيران «النووية». هذا النظام – تقول المكنة – هو الآخر قد لا يقاوم إغراء العدوان ضد دول مجلس التعاون. ويشيرون في هذا الصدد إلى أن عددا من القضايا المختلف عليها بين إيران وجيرانها الخليجيين ستبقى دائما تقدم الحجج لاستعراض السلاح ورقصات الحرب في الخليج. إذن، – تقول لنا المكنة – تبدو صفقات الأسلحة الضخمة هذه مقابل أرقام فلكية من الدولارات استراتيجية دفاعية رشيدة لدول لاتزال تتمتع بفوائض مالية ضخمة منذ ما قبل الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. ولاحظوا أننا لانزال هنا في مرحلة حمى سباق التسلح الاعتيادي وليس النووي بعد.
لندع جانبا، ولو لحين، صحة كل هذه الحجج من عدمها، فقد تناولها وسيتناولها كثير من المحللين المتابعين. وسأذهب معكم، من أجل تفسير الظاهرة، إلى مصدر قوي، لكنه لايزال غضا بعد.
كعادته في كل خريف أطلق المجلس الوطني الأميركي للاستخبارات تقرير «اتجاهات العالم حتى العام 2025: عالم متغير». ولايزال من غير الممكن حتى الآن دراسة تقرير الخبراء الأميركيين كاملا. فلا يوجد على الموقع الرسمي حتى كتابة هذا المقال سوى حواش تفسيرية مقتضبة تسبق نشره كاملا. ومع ذلك، واستنادا إلى المتوافر، وباحتساب حقيقة أن لمعظم التوقعات الأميركية عادة «التحقق»، إما بحكم نظرية «المؤامرة» أو التنبؤ العلمي، فلنقرأ إشارات مهمة منه.
هذا التقرير مكرس في الأساس لتسليط الضوء على دور الصين والهند في عمليات التطور العالمي. ومع ذلك فإن قسما منه تطرق إلى منطقة الخليج ومكانها في هذه العمليات. وهو يرى أنه إلى جانب الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة الأميركية وروسيا ستشارك كل من الهند، الصين، البرازيل وكذلك الخليج في لعب الدور القيادي في العالم. ويفترض خبراء المجلس خمسة سيناريوهات للتطور في العالم. وحسب السيناريو الأخطر بينها فسيحدث في العالم نزاع عسكري كبير أو كارثة طبيعية كبيرة تحتم على الولايات المتحدة والصين والهند والاتحاد الأوروبي أن توحد قواها لصد التهديد العام. لكن أي البلاد سيكون مصدر النزاع المحتمل؟ هذا ما لم يتحدث عنه المحللون. من جهة أخرى، وحسب رجال الاستخبارات الأميركيين فخلال الخمسة عشر عاما القادمة هناك أمران سيحددان حالة العالم: المال ومواد الطاقة. ودون الغوص أكثر، فليس من النافل القول بأنه عندما يجري الحديث عن مصدر نزاع عالمي وعن دور المال ومواد الطاقة في مستقبل العالم، على الأقل حتى العام 2025م، فإن الحديث يدور عمليا عن منطقة الخليج بكاملها كمسرح أحداث. كما يفسر أيضا ظاهرة حمى التسلح ورقصة الحرب في منطقتنا.
صحيفة الوسط
27 سبتمبر 2010