لسنا في هذه المقالة للدفاع عن شركات التأمين، فلديها من المختصين الذين يدركون ألعاب الطب الخاص البهلوانية معهم، ولكنهم اما انهم يغضون الطرف لفترة ما حتى يبلغ السيل الزبى ثم يضطرون للتدخل في إيقاف نزيف الإنفاق الذي يتم ضخه من قبل الطب الخاص من فوق جسد المريض او أنهم متواطئون في عز الظهيرة!! فهو كما نرى جسر العبور ما بين الطرفين شركة التأمين (الضحية الصغرى) والطب الخاص لتراكم دخول مالية باهظة للمؤسسة الطبية او للمستشارين العاملين في تلك الأمكنة.
حيث يتقاسم المستشار مع المؤسسة الطبية نصيبه «المستحق» ومن ثم لا يهمهم لحالة ثالثة وهو المريض، الذي يتم إطالة علاجه بشتى الأشكال، فكلما بقى هناك طويلا بين أقسام الطب الخاص ومستشفياته صارت الفاتورة مرتفعة، مما يجعل من ضغط المريض مرتفعا من خشية ان يذهب الى شركة التأمين وهناك يصادف اعتراضات وتسويفات واعتراضات على ذلك المبلغ الكبير وفق المعايير التأمينية، فشركات التأمين أولا وآخرا هدفها الربح والربح المرتفع مثلما ايضا يسعى الطب الخاص استحلاب بقرة حلوب اسمها شركات التأمين، والتي تمر من خلال شرايين المريض المعلق في أروقة المستشفى، حيث يتم تدويره على كل الأجهزة والأقسام والتحاليل حتى وان لم يكن هناك لها داع، المهم إبقاء المريض تحت رحمة الفحوصات والتأخير، فإذا ما كان بحاجة للنوم في الغرفة وسريرها برائحة الأدوية المعكرة لمدة ليلة واحدة، فان من الأفضل وضعه ثلاثة ايام، أما إذا ما كان بحاجة لمدة أسبوع فان من الأفضل تمديد الإقامة في المستشفى لمشاهدة برامج تلفزيونية مريحة وصحبة أصدقاء، حيث تصبح الحجرة مقرا دائما لزوار دائمين يسلون المريض المسكين في وحدته، فقد توقع ان يخرج قريبا فيما الطبيب او فرقة الأطباء تجتمع وتقرر انه من الأفضل تمديد فترة الإقامة له، فرواتبهم نهاية الشهر ستأتي من تلك «الحلبة» ولا يهم كم هي البقرة الحلوب (التأمين) مدرارة بضرعها على قسم الحسابات في مستشفى الطب الخاص الذي من أولى سياساته هو فلسفة استدامة المريض حتى إشعار آخر.
فهم يطمئنونه بأننا متفقون ومتفاهمون مع التأمين ومع المستشارين المتفقين مع إدارة المستشفى رغم انف المريض. حال وصولك الى بوابة مستشفى الطب الخاص فانك سوف تستنشق رائحة الفاتورة قبل ان تستلمها، فهناك تشعر من خلال الإجراءات الطويلة العريضة، ان المحتفين بك لديهم خاصية الرعاية المميزة فتفرح لكونك ما عدت مريضا معذبا في مستشفى الحكومة، ولكنك بعد أيام من استلامك الفاتورة وذهابك لتكملة علاجك في مستشفى الحكومة وتكتشف بعدها أن أطباءه ليس بالضرورة أفضل ولا أجهزته ولا حتى جوانب أخرى موجودة عند الطرفين، غير ان الابتسامة والإدارة وفن التسويق وبهو الحياة الفندقية في مستشفيات الطب الخاص وحدها تجعلك منتشيا بمظهرية الخدمات اللامعة ورونقها الجميل.
في المستشفى العسكري، تعرفت على عالم مرتب ومنسق ومنضبط وراق داخل المستشفى العسكري ولكن الناس المرضى مضطرون في لحظة ما للذهاب الى الطب الخاص ومستشفياته باعتبار ان الحالة الصحية وطوارئها تدفعنا في الوقوع في بريق تلك الأبنية اللامعة النظيفة. قبلنا بتمديد حالة المريض والتمرن على حالته فالمهم هو الفاتورة، ويا ويلك ان أصبت بكسور وعملية جراحية في عظامك وبدنك فان العلاج الفيزيائي هناك يسهل التلاعب في وقته وتوقيته وطريقة علاجه، بل ولا تسمع معلومات واضحة عن متى ستكون بالضبط في وضع ملائم وبانك انتهيت نهائيا من الطبيب والمعالج الفيزيائي، بل ولا تجد إجابة شافية لأسئلتك كشخص مريض ومن حقك ان تكون قلقا على صحتك، بل وتكتشف ان الطبيب والمعالج الفيزيائي لا ينسقان معا حول مدى تطور وضعك الصحي.
وهذا ما اكتشفته وتعلمته في مستشفيات قبرص والأمكنة التي تستلمك للعلاج الفيزيائي حيث تسمع من اللحظة الأولى كم ساعة ستحتاج حالتك وكيف ستتم الأمور خلال فترة العلاج.
في البلاد هنا علة كبرى قائمة في الطب الخاص، فالهدف إطالة وضع المريض واستحلاب شركات التأمين، والأدهى ان المستشار غير مستعد حتى إلى إرسالك للحصول على فحوصات في المستشفى الحكومي!! فلا تقارير تمنح ولا تسمية واضحة لنوع مرضك ولا القبول بإرسالك إلى مستشفى الحكومة، فنكتشف أننا في الدول العربية نفتقد الى ما يسمى في الغرب «حقوق المريض» وهي جزء من حقوق الإنسان، مقيما أو مواطنا، بل ولا توجد لجنة مرتبطة بأخلاقيات المهنة، التي علينا ان نعرف معاييرها وكيفية جرها للطبيب من انفه الى القضاء في حالة اكتشاف المريض انه ضحية كبرى وصار عضوا من جسده عاطلا للأبد فلا فائدة بعدها من خراب البصرة!!!
الأيام 21 سبتمبر 2010