في العشرين من هذا الشهر ينطلق ماراثون الانتخابات النيابية 2010م، خيام وإعلانات وولائم وهدايا، المارثون الذي يتجدد كل أربعة أعوام لتعزيز الديمقراطية والمشاركة الإيجابية في صنع القرار.
يدور الحديث هذه الأيام في الكثير من المجالس والمنتديات عن بعض القوى السياسية التي تسعى للاستحواذ على المقاعد النيابية من خلال قائمتها الحزبية، متجاهلة معايير الاختيار الأمثل للناس، فهي لا تعترف بالأكفاء والأفضل والأحسن!!.
الغريب والمستغرب له هذه الأيام الانتخابية أن يعود مصطلح «الكتلة الإيمانية»، في إشارة إلى قائمة كتلة جمعية الوفاق، هذا القائمة التي قسمت بعد انتخابات عام 2006م معسكرين، مؤمنين وغير مؤمنين، وأبرار وغير أبرار، وها هي الصورة مرة ثانية تعود بعد ما عان منها الناس وما تركته في الساحة المحلية، فتزكية بعض رجال الدين لبعض الشخوص وإدراجهم في القائمة الإيمانية، وما يتبع من فتاوى دينية وآراء فقهية لأمر يعد استغلالاً للدين لتحقيق بعض المكاسب السياسية، هذا الاستغلال ترفضه القاعدة الفقهية (الغاية تبرر الوسيلة)، لذا يرى الفرد بان مثل هذه القوائم الإيمانية هي محاولة لترهيب وإكراه الناس على اختيار بعض الناس من قد لا تتوافر فيه الشروط التي تؤهله لدخول مجلس النواب.
الإشكالية الكبيرة التي تشكلها مثل هذه القائمة هي أنها تترك آثاراً كبيراً في المجتمع، فنجد أنفسنا أمام مجتمع منقسم ومتشظى، في القرية الواحدة، والمدينة الواحدة، والبلد الواحد.
إن الخطأ الكبير الذي تقع فيه جمعية الوفاق حينما تصدر مثل هذه القائمة، أنها تستعدي أبناء المنطقة الواحدة، بل وتستعدي القوى السياسية الأخرى الحليفة لها، فلا هي تنازلت عن مقعد أو مقعدين لحلفائها من الجمعيات التي تعتبرهم من نفس الخط والتيار (الليبرالي أو القومي).
إن مشاركة رجال الدين بصفتهم الدينية في الشأن السياسي والترويج في الخيام الانتخابية للكتلة الإيمانية وحتى تواجدهم أمام مقار الانتخابات يضر وبشكل كبير بالعمل الوطني، وبالعمل النيابي ومصالح الناس، خاصة وأن صفة رجل الدين بعمامته ولحيته ومسبحته تصبغ العمل السياسي بصبغته الدينية، ولا يكون ذلك إلا على حساب ذوي الخبرة والكفاءة والاختصاص في مجالس القانون والتشريع والتعليم والاقتصاد الذين تم استبعادهم من أجل تمرير الكتلة الإيمانية.
المراقب والمتابع لأداء الكتلة الإيمانية لجمعية الوفاق في دورتها السابقة يرى فشلها الكبير وأداءها السيئ في تحقيق المكاسب الوطنية للناس، أو حتى تحقيق متطلباتهم المعيشية والخدمية والاجتماعية، بل كانوا شركاء في الصراع الطائفي الذي وقع فيه مجلس النواب، فأثيرت الصراعات الطائفية، والمناوشات الحزبية مما عطل الكثير من المشاريع الوطنية، بل وتم الانسحاب من أهم الجلسات، فقد كان الأداء أقرب من الاستعراض السياسي والمشاحنات والملاسنات الطائفية على حساب قضايا المواطن البسيط.
إن أبرز المكتسبات التي حققتها الكتلة الإيمانية في دورتها السابقة تمثلت في المخصصات المالية، والتقاعد المجزي، والسيارات الفارهة، والمشاركات الخارجية، وغيرها كثير من ميزانية الدولة مما لا يحصى على حساب المواطن البسيط!!.
إن المسئولية تحتم على المواطن الواعي أن يسعى لأختيار المرشح الأفضل، ذو الكفاءة الوطنية، والنزاهة والأمانة والمؤهلات العملية والخبرات القانونية والسياسية، ويمتلك الحس الوطني الذي يوجب عليه تعزيز الوحدة والانتماء بعيداً عن الاعتبارات الدينية أو المذهبية أو الطائفية أو العرقية أو الفئوية أو الحزبية، فنحن اليوم أمام مسؤولية تاريخية، فإما أن ننجح بتشكيل مجلس نيابي وطني يعبر بنا أمواج الفتن ورياح الطائفية، وإما مجلس يعيد لنا صورة المجلس السابق الذي كان يتصارع مع نفسه لأتفه الأسباب، فليعي المواطن العادي لخطورة طرح مصطلح الكتلة الإيمانية في مجتمع عاش متسامحاً طيلة سنواته الماضية.
الأيام 16 سبتمبر 2010