ذهب تفكيري بعيدا وأنا أقرأ مقالات صاحبنا الحكيم، تذكرت لحظتها انه في السويد وليس بين ظهرانينا عندها شعرت برغبة في الضحك أو بالأحرى رغبة في الحزن على ما آل إليه صاحبنا الحكيم واكتشفت عندئذ ذلك المنطق العجيب للأشياء في تفكيره وشخصيته.
تلك الشخصية المثقلة بالهزات النفسية، المشحونة بالانفعالات المتطرفة والمغامرات عابرة القارات والتي لا يهم أن تستدعي النصح عبر المقالات الملغومة للشرفاء والمناضلين، المهم أن أكون أنا وبعدي الطوفان.
مثل هذه المقالات الأعجوبة والتي يأمل منها وهو واهم بأن تيارنا التقدمي ستصيبه في مقتل قد أتت مفعولا معاكسا وسهلت على أعضائنا معرفة الحقيقة وإن إلى حين.
أن يصل الإنسان وهو في هذا العمر وهذه المرتبة العلمية إلى ما وصل إليه صاحبنا الحكيم أمر يدعو إلى العجب العجاب، وأن يصل به الحال والى حد الجنون والتطير استهتارا أو استهزاء أواستنفارا، أمر اقل ما يقال عنه بأنه يثير الاشمئزاز ويدعو إلى الترحم على هذه الشخصية الكاريكاتيرية التي انتهت إلى مثل هذه النزعة السادية المتأصلة فيه.
بعد قراءتي لمقاليه الأخيرين شممت رائحة حقد دفين يعتريه على المنبر التقدمي ومناضليه واستنتجت بأن المنبر التقدمي عبء عليه وعلى أمثاله.
أعتقد بأن صاحبنا الحكيم وهو يدبج مقالاته (الفضيحة) تعتريه حالة من الهلوسة والأحلام المزعجة ليكتب بعدها بأسلوب احترافي يكسوه بالكذب المهذب ليختار بحيرته العكرة ويستريح لينتهي الأمر عند هذا الحد.
أعتقد بأن صاحبنا الحكيم يتلبسه وجه آخر ويود أن لا يعرف إلا به ليمارس تمارينه اللفظية ونضالاته الخارجية وبطولاته الأسطورية في بلد ليس ببلده وفي موطن يبعد آلاف الأميال عن موطنه.
صاحبنا الحكيم يعبر تعبيرا عميقا عما يختلج في نفسه من تطلعات الزعامة والحكمة والموعظة حتى ولو كان ذلك باستخدام أعتى الألفاظ في التعريض بوجوه الناس.
هذا الهذيان لصاحبنا الحكيم إنما هو هذيان لرجل لا علم له بمقاييس الحراك السياسي ولا بالأوضاع في بلده فليعش متنعما وليترك الآخرين.
فالخفة في إطلاق الأحكام لا تعادلها إلا خفته في توزيع الوطنية والنضال لكل من يود أن يوزعها عليه، كل ذلك تعويضا عن أشياء أخرى فيه لا يعلمها إلا الله.
وقد يميل بنا الظن إلى أن نرى فيه رجلا يشكو من العزلة وفقد الصحبة ويتوسل بشتى الوجوه للشفاء منهما كما يقول أبو العتاهية:
واني لمشتاق إلى ظل صاحب يروق ويصفو أن قدرت عليه
صاحبنا الحكيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بما احل وحرم وحذر وانذر وما أعطى ونهى وآمر فأبقى ليصبح الآمر الناهي في عباده الصالحين.
والواقع أن معالم هذا النهج لصاحبنا الحكيم بينة إلى درجة لا تحوج إلى مزيد من التحليل فكل إناء بما فيه ينضح لكن السمة الهجومية والألفاظ اللاذعة والتسفيه بالآخرين هي التي طبعت روح مشروعه في حياته الهانئة بالخارج.
والحق انه لا وهم لدينا من أن صاحبنا الحكيم واهم وموغل في وهمه من انه قادر على فعل المعجزات بالشتم والسباب من ان يحصل على موطئ قدم بيننا أو بين غيرنا بعد أن انفض من حوله الجميع، فالقاطرة قد سارت وما عليه إلا الاستراحة والاسترخاء في صومعته بالخارج كما أراد ليريح ويستريح.
إن زهو صاحبنا الحكيم بفذلكاته الكلامية وتفاخره بمنطقه الأهوج تجاه الآخرين بين لنا خواءه وان الدور الذي يبحث عنه قد ولى وبلا رجعة وما عليه إلا أن يتقبل هذا الواقع.
لا شيء يبعد عن الصواب بعد ما تقدم أن محنة صاحبنا كانت تمثل رغبته في أن يرى المنبر التقدمي ضعيفا منكفئا على نفسه أو مغامرا يسهل جره أو انقياده للشارع، ولكن يبقى المنبر ذو خطاب يعبر عن ارث جبهة التحرير الوطني البحرانية وتاريخها النضالي الحافل بالمناضلين الذين مكثوا في السجون سنينا طوال ولم يتباهوا أو يسخروا أو يسفهوا بالآخرين كما صاحبنا الحكيم الذي مكث في السجن ثلاثة شهور ويريد لنفسه أن يصبح بطلا مغوارا لا يشق له غبار.
الأيام 16 سبتمبر 2010