المنشور

كيف نتدبر شؤون الوطن؟

علينا الإقرار وبمسؤولية وطنية عالية أن وطننا اليوم في مهب العاصفة الآتية نذرها من الوضع الإقليمي الذي قد يتعرض، ولا قدر الله، لانفجارات خطرة ستطال شظاياها المحيط كله، وقد حرصنا طوال المرحلة السابقة أن نؤكد على قيمة الوحدة الوطنية لمجتمعنا وأن نجعل منها شعاراً لأنشطتنا ومرتكزا للخطاب الذي نوجهه للمجتمع إدراكاً لأمرين متلازمين.
فهذه الوحدة كانت ضمانة من ضمانات الاستقرار والعيش المشترك المتآخي والعمل من اجل الحقوق السياسية والاجتماعية المشتركة لأبناء وبنات هذا الوطن بعيدا عن التحيزات المذهبية والطائفية، التي نشأنا على تربية سياسية وأخلاقية تنبذها، ونسعى لأن نُوَّرث هذه القيمة لأبنائنا من بعدنا.
هذا هو الأمر الأول أما الثاني فهو أن هذه الوحدة تتعرض لمخاطر كبرى ستدفع هذا الوطن نحو متاهات لن يكون من السهل أن يخرج منها سالماً، وستكون خسائرها فادحة على الجميع وبدون استثناء، بما في ذلك على اللاعبين لعبة الطائفية أنفسهم في أي فريق كانوا.
فالوحدة الوطنية لكي تكون فعلاً لا قولاً أو شعاراً يجب أن تحمل معها مضامينها الاجتماعية والسياسية الحقة، التي لا يمكن إلا أن تبدأ بأمرين: الأول هو تكريس قيمة المواطنة المتساوية المتكافئة في الحقوق والواجبات، والتي تتطلب النأي عن كافة أشكال التمييز أو المحاباة على حد سواء، والثاني هو تكريس قيمة دولة المؤسسات والقانون التي تتطلب خضوع الجميع: الدولة وأفراد المجتمع لبنود القانون بما فيه من حقوق وجزاءات.
فلكي نعزز روح الانتماء الوطني ونجعله الأعلى بين بقية الانتماءات يتعين أن نجعل جميع أبناء هذا الوطن يشعرون بأنهم متساوون في شروط العيش المشترك على أرض هذا الوطن، ومثل هذا الشعور كفيل بأن يفكك ركام الشكوك وعدم الطمأنينة والحذر، وأن يشيع مناخاً من الثقة والتآلف.
وعلى صلة بذلك فان احترام القانون والالتزام بأحكامه، والنظر إلى الدولة بصفتها مظلةً للمجتمع كله معنية بتطبيق أحكام هذا القانون، الذي لا يجب أن يتوقف العمل في سبيل تطويره وتوسيع دائرة الحقوق التي ينص عليها، هو شرط من شروط الدولة الحديثة وضمانة من ضمانات التطور الآمن والمستقر للمجتمعات.
تكثفت في الآونة الأخيرة مجموعة من التطورات السلبية التي تتطلب معالجة مسؤولة من الجميع، ومثل هذه المعالجة تتطلب، بدورها، المصارحة حول جوهر وشكل الخطاب السياسي الذي دفع بالأمور نحو هذا المآل، وكذلك المصارحة حول البيئة التي تنتج مثل هذا النوع من الخطاب، وفي هذا السياق نُثمن تأكيد جلالة الملك في كلمته الأخيرة على أن العملية السياسية في البحرين التي ابتدأت منذ سنوات مستمرة.
وهو أمر أعاد تأكيده وزير العدل حين قال إن الأوضاع الأمنية لن تؤدي إلى تأجيل موعد الانتخابات، والطموح أن يفتح ذلك الأبواب أمام معالجة شاملة يتفق عليها الوطن من أجل تحقيق الاستقرار والتنمية، وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان ومنع أي تراجع عن الحريات، والبناء للمستقبل على قاعدة المشاركة الشعبية، وهو أمر له أن يؤسس لحال أفضل، ولكن ذلك لن يتم بصورة تلقائية، فدون ذلك شروط أخرى ملازمة له لابد من استيفائها.
 
صحيفة الايام
13 سبتمبر 2010