استكمالاً للسّجال النظري المتفاعل، الذي كنا قد طرحناه في الجزء الأول التمهيدي من هذه المطارحات، قبل فترة وجيزة، ودعوتنا الصادقة للأخوة، الكتاب والقراء ومعشر المهتمين، بضرورة أولوية الحوارات الفكرية البنّاءة، الجادّة والندّيّة، عبر هذه النافذة التقدمية الحرّة (الحوار المتمدن) .. في محاولة لفهم أوضاعنا وواقع بلداننا العربية وحتى بعض البلدان الشرق أوسطية الاسلامية -غير العربية المرتبطة بالعرب بوشائج الوصال الثقافي والمصير المتقارب- للوصول إلى قراءة علمية دقيقة للعوامل المتحكمة بمشهد مجتمعات تلك البلدان، في شتى المجالات السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية.. الخ.. أي مشهد سوسيولوجيتها المعاصرة، بل وحتى بنيتها السيكولوجية الفريدة، بسلبيتها الطاردة للحداثة والمنتجة لقيم الاستبداد، الذل والخنوع! .. وذلك لأنه ببساطة بدون الفهم العلمي العميق، الدقيق والشامل للظروف الموضوعية والذاتية، المتأتّية من مستجدات الوضع الدولي في مستهل قرننا الحالي – الواحد والعشرين- وشتّى تأثيرات الظروف الجديدة وتداخلاتها –غير المسبوقة- على منظومتنا العربية-الإسلامية العتيقة، لا يمكننا على الإطلاق، حتى التفكير في حلمنا لتحقق واقعٍ آخر لدنيا العرب والإسلام ليحل محل الواقع المزري الشاذ الحالي، المتجسّد في منظومة استبدادية متخلفة تجثم على صدر المواطن “المحروم من أولى الحقوق الأولية كإنسان” على هذه البسيطة والمشحون ذهنه بخرافات عقيمة من الوعي الزائف، تعود إلى ثقافات قرونوسطية أحادية إقصائية بطريركية ( أبوية ذكورية).. بمعنى إن المواطن العربي والإسلامي يئنّ بين مطرقة الاستبداد-المادي- وسندان فكر متخلف ظلامي –معنوي- لا أمل ولا فكاك له من الخروج من بين فكّي هذين الوحشين، إلا بتكاتف كافة الجهود- من إيّما جهة أتت- ذي المصلحة في التغيير والتنوير والتقدم.
على ذلك وانسجاماً مع الأفكار والرؤى المذكورة أعلاه… نود في هذا الجزء من السلسلة أن نطرح-كما وعدنا سابقا- دستة من الأسئلة المحورية الأولية، التي تمسّ ملفات أساس لمحنة الوضع العربي المعاصر.. وهي أسئلة تتمحور بالطبع حول الجانبين النظري-المعرفي والعملي-التطبيقي. لكنها منصبّة في هذا المقال على تاريخ، تكوين ووحدة العرب فحسب..على أن نطرح تباعاً أسئلة أخرى في الحلقات القادمة من هذه المطارحات، آملين أن نصل في نهاية المطاف لمحصّلة الآراء الأكثر صِدقيّة، واقعية وعقلانية فيما نرمي إليه في تبلور رؤية إستراتيجية منسجمة وموضوعية، تعيننا نحو مقارعة واقعنا الأليم!.. والأسئلة المشروعة والحائرة، التي تبحث عن إجابات شافية، أدناه:
• ما هي أسباب تراجع دور العرب التدريجي عن مسرح الحياة الدولية منذ مطلع الألفية الثانية، الذي شهد تقهقر متواصل لألف عام؟!..أي منذ مقتل، رجل الدولة -من الطراز الأول- والألمعي الكبير : “المأمون” وهدم “دار الحكمة” !
• لماذا إنقطعت عملية التراكم المعرفي العلمي والتقدم الحضاري، التي شهدتها المنطقة العربية–مشرقها ومغربها- وتخومها العديدة من الكيانات الإسلامية.. قبل تلك الفترة؟..وما علاقة ذلك بفتوى”الغزالي” التاريخية الرجعية، الداعية لقفل باب الإجتهاد ؟
• ما هي حقيقة مجد العرب التليد؟! هل هو واقع أم أسطورة ؟! متى كان ذلك المجد بالضبط؟.. أفي عصر الانحطاط الألفي الثاني المذكور؟ أم في القرون الأربعة الأخيرة من الألفية الأولى؟ وماذا كان قبل ذلك؟.. هل صحيح أنه كان عصر الجاهلية الأولى؟!
• ما هي حقيقة “الحضارة العربية – الإسلامية” الملتبسة؟ ما هي مكوناتها، مميزاتها، خصائصها وإنجازاتها ؟ ماذا قدمت لشعوبها وللعالم؟
• ما هي تركيبة البُنية الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية للمنظومة العربية- الإسلامية في العصرين القديم والوسيط؟ وهل طرأ جديد على هذه البنية في العصر الحديث؟
• ما هي طبيعة وخصوصية بنية المجتمعات العربية اليوم؟ وما هي تركيبة المنظومة العربية السياسية المعاصرة؟ ما هي خصوصيتها وفرادتها؟.. هل توجد منطقة إقليمية أخرى في العالم شبيهة لها؟
• لماذا المنظومة العربية، كانت ومازالت، طاردة لقيم الحداثة، التنوير والتقدم وحاضنة للموروثات العتيقة، المنتجة للإستبداد؟
• هل صحيح أن غالبية العرب عاشوا ردحاً من الزمن من كدح الذميّين؟ تُحركهم العصبية القبلية والبداوة.. وأنهم لا أهل للصنعة ( حسب ابن خلدون)؟!
• هل النفط نقمة على العرب..وسبب تخلفهم المعاصر؟ وجذر الاقتصاد الريعي السائد في الإقتصاديات العربية؟
• ما هو دور البيئة الصحراوية في تشكل الذهنية العربية؟ وإلى أي مدى أثر هذا العامل الموضوعي (الوسط الجغرافي) في إعاقة أي نوع من التكامل العربي؟
• ما هو دور التابو الجنسي،المولِّد للحرمان الجنسي في تشكيل الشخصية العربية، غير الواثقة من نفسها، والمشحونة بعقدٍ ودونيات عديدة، أهمها : التباهي، حب الظهور واليقينية ؟!
• هل العرب يشكلون أمة أو قومية منسجمة؟! وما الفرق بينهما؟ وماذا عن الأقوام الأخرى أو المكونات الأصغر لشعوب واثنيات -غير العربية- في البطن العربي..أو حتى في التخوم؟
• ما هي حقيقة الأقليات في الوطن العربي الكبير؟! بالرغم من حجم تلك “الأقليات” الكبير.. كالامازيغ، الكورد وغيرهم؟هل ممكن التعايش المنسجم دائماً مع المكون غير العربي؟ ما هي الشروط المستقبلية لذلك الانسجام والوفاق المأمولين؟
• ماهي شروط وحدة العرب؟ هل هي حتمية؟.. قهرية أم طوعية؟ هل هي مفيدة بالضرورة؟ ما هي معيقاتها؟ شكلها؟.. فيدرالية؟ كونفيدرالية؟
• ما هي آفاق هذه الوحدة المأمولة؟ ما المدى الزمني التقريبي لها؟ ومن أين يأتي ضمان إستدامتها؟
• هل من الممكن، بعد التجارب المريرة للوحدات العربية الفوقية والتعسّفية-العسكرتارية- الحديث عن الوحدة العربية في الأفق المنظور، وضمن نفس المشاريع والبرامج العتيقة؟!
• هل من الممكن للمنظومة الاستبدادية العربية الحالية من تحقيق وحدة، أو حتى تعاون اقتصادي حقيقي؟
• من هي القوى السياسية والطبقات الإجتماعية، التي من مصلحتها أن تسعى حثيثا لتحقيق الوحدة العربية وبشكل منسجم لمصالح وحقوق الأقليات غير العربية؟
• هل المؤسساتية الفعلية للمجتمع المدني، بما فيها ضرورة فصل المؤسسة الدينية عن المؤسسة المدنية، والحريات والحقوق الديقراطية.. شروط أساسية للتقدم في مشروع الوحدة العربية ؟
• هل من الممكن أن تتعايش منظومات إقتصادية- إجتماعية متبايتة وأنماط سياسية مختلفة في بوتقة واحدة ضمن منظومة الوحدة العربية المأمولة والمستقبلية؟!
• إلى أية درجة لعب الإنتماء الثنائي : ” العروبة” و”الإسلام” كمتّكأين ورُكنين أساس لتجسيد الشخصية العربية ثقافياً، فكرياً وسيكولوجياً.. الخ..؟ وهل كان وما يزال ذلك التماثل – بإيجابيته وسلبيته- يشكل العامل المعياري لتقدم العرب أو تخلفهم؟!…على أية حال، قد نخصص مقالاً على حِدة – ضمن هذه السلسلة- لنقاش المسألة الدينية والطائفية- المذهبية، في دنيا العرب .
هذا طرحٌ لمواصلة السّجال، في صيغة أسئلة محورية – تترى وتتوارد- حول تاريخ، حاضر ومستقبل العرب.. والطموح المشروع لوحدتهم وتقدمهم، في حاجة إلى مقارعة منهجية.. وأجوبة علمية دقيقة من شتى الزوايا: التاريخية، الدولية، السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، الدينية وحتى الطبقية!
الحوار المتمدن – العدد: 3122 – 2010 / 9 / 11