المنشور

نحو انطلاقة جديدة للوطن

في الخطاب السامي لجلالة الملك بدت نبرة التسامح ممزوجة بنبرة الحزم تجاه ما يدور في بلادنا منذ أسابيع، كما قدمت الكلمة السامية لجلالته عدة مؤشرات لا شك أنها ترسم لبعض التوجهات السياسية خلال الفترة القادمة، كان أبرزها على الإطلاق التأكيد على أن مسيرة البناء والنماء ومخططات الإصلاح الاجتماعي والسياسي والثقافي ستستمر، لتترافق مع مشاريع دعم أسس دولة الحق والقانون والديمقراطية والازدهار الاجتماعي والاقتصادي، علاوة على ما أكده جلالته من توجيهات للسلطة القضائية والدينية بالتأكيد على ضرورة أن من يعتلي منابرها يجب أن يتمتع بالكفاءة والوسطية والقبول بالآخر لإفراغ كل عوامل الفتنة والتنازع والاختلاف، وذلك ضمن برنامج شامل للإصلاح الديني، نرجو أن يكتب له النجاح والاستمرار، فذلك بالضبط ما دأبت مجاميع واسعة من أبناء شعبنا ومن شرائح مختلفة، طيلة السنوات الماضية على المطالبة به حتى نستطيع أن نبتعد تدريجيا عن دعوات الغلو والتطرف والخصومة المتعبة لمقومات وقوام هذا الوطن، تلك الدعوات التي لم تنتج لنا سوى ذلك الخطاب الطائفي المذهبي الصرف الذي لا يعنيه الوطن بكل تاريخه ومستقبله، ويهتم أصحابه ودعاته فقط بتثبيت مواقعهم ومصالحهم الشخصية والفئوية والطائفية، وقد جاءت بكل تأكيد على حساب المصلحة الوطنية الجامعة التي تاهت بكل أسف وسط ذلك الخطاب التجزيئي والفئوي، وانعكست بطرق شتى على المزاج العام للناس وأضعفت عرى اللحمة والوئام بينها، فكان فعلها كما النار في الهشيم دون أن تجد رادعا حقيقيا لوقفها. أما وقد جاء الوقت لمراجعة ووقف هكذا خطاب، فان الحاجة تبدو ملحة لتشجيع هذا النهج وتحفيز مقوماته من أجل إعادة الاعتبار للوطن والناس، نحو لحمة وطنية تكون بحق رافعة حقيقية لوطن لا يعرف الفرقة والتناحر بين مكوناته، وحتى يتم نبذ ذلك الفكر التجزيئي الطائفي البغيض ولجم دعاته أينما وجدوا، وعدم السماح لهم بالعبث بمقومات هذا الوطن وضمائر الناس، والإصرار على العودة مجددا إلى الطريق القويم إلى حيث الازدهار والتقدم والانسجام بين مختلف مكوناته، فقدر هذا الوطن أن يعيش منسجما متوافقا لينعم كما حلمنا به مستقراً هادئاً تظلله الحكمة والمزيد من الرشد السياسي والموضوعية تجاه كل ما يدور في ساحاته بين فترة وأخرى، ليصبح بعدها لزاما علينا جميعا التدليل على قدرتنا على استعادة زمام المبادرة للانطلاق بالوطن مجددا، ولكن ليس لجهة التصعيد وإنما لجهة استتباب الأوضاع وإشاعة أجواء التفاؤل والثقة، لتفويت الفرصة على من يتحين سوءا بالوطن وبالمسار الإصلاحي الذي توافقنا عليه، فالتصعيد وفي كل اتجاه مهما صاحبه من مبررات يظل غير مقبول أبدا، فسمعة البحرين إذا ما استمرت موجة الانفلات الأمني والتخريب وما سيترافق معها من تصعيد ستتضرر حتما وسنحتاج بعد ذلك لوقت ليس بالقليل لاستعادتها مجددا، ويحق للناس أن تستذكر بشيء من الحنين الممزوج بقدر ليس يسير من القلق ما أشاعته فينا جميعا أجواء الميثاق حينها من ثقة بالمستقبل وما هيأته فينا من أمل ورغبة للخروج من عنق الزجاجة الذي كلفنا غاليا طيلة قرابة ثلاثة عقود.
فقد عكست الحالة الأمنية التي تعيشها البحرين منذ فترة بكل أسف مزاجها بقوة على الكثير من وجوه الحياة في البلاد وعلى أكثر من صعيد، وكان ذلك ملموسا في معظم نقاشات المجالس الأهلية والديوانيات الرمضانية وفي أحاديث الناس اليومية، حيث كانت هواجس القلق والإرباك حاضرة باستمرار، وبصيغ متعددة ومتباينة، إنه واقعنا الراهن الذي علينا أن نعترف انه استطاع أن يطبع حياتنا بمسحة حزن وترقب مشوب بكثير من الإحباط والحذر. لذا نرى أنه من الحكمة بالنسبة لنا جميعا مؤسسات وأفراد حكومة ومعارضة، أفراد ومؤسسات، نخب وعامة الناس، ضرورة التفكير في كيفية الخروج من هذا الوضع الذي نرجو أن لا يستمر طويلا، وليكن خطاب جلالة الملك منطلقا لنا لتحقيق ذلك، وليبقى المستقبل رهنا بقدرتنا جميعا على مغادرة حالة انعدام الثقة ومشاعر التوجس والخوف من الآخر، إلى حيث يكون الوطن ومصالح الناس، وضرورة التمسك بما تحقق من مكتسبات اجتماعية وسياسية واقتصادية والبناء عليها للنهوض مجددا بهذا الوطن وشعبه وحتى نكون بحق بناة لصرح شامخ يستحق أن يكون وطنا جامعا نفخر به وتنعم به أجيالنا القادمة.
 
صحيفة الايام
8 سبتمبر 2010