إن الكثيرَ من التحولاتِ السياسية التي تجرى بهدوءٍ أو برعونةٍ على مسرحِ الشرقِ الأوسط هي تهيئةُ المسرح من أجل الضربة القادمة على إيران، فإيران مستمرةٌ في رفضِها إخضاعِ قدارتها العسكرية المتنامية للسقف الذي تحددهُ الدولُ الكبرى الغربية.
والقوى الغربية لا تترك شيئاً للمصادفة أو القَدر، بل تدرسُ كل شيءٍ وتضع خططاً محددة، إذا رفض الخصم البقاء تحت السقف المسموح به للتسلح ولهذا فهي تضربه باستباقية قتالية.
ثمة حالةٌ من الغرورِ لدى الأجهزة العسكرية الإيرانية وبأنها قادرة على أن تقلبَ الطاولة على هذه الدول، فهي ليست كطالبان أو الدول الصغيرة التي لا حول ولا قوة لها.
تهيئةُ المسرحِ جرتْ بقوةٍ وسرعة في العراق، فانسحبتْ القواتُ الأمريكيةُ بأغلبيتِها في سرعةٍ قياسية، وغُيرتْ مهمامُ القوى الباقية فيها، وهذه كانت أهم عمليةِ تنظيفٍ لساحة الشرق الأوسط، فمع بقاء القوات الأمريكية في العراق تغدو هدفاً سهلاً لعمليات انتقام رهيبة، أو تؤخذ حجة لاحتلال إيراني للعراق.
كذلك كانت الساحة الثانية في فلسطين، والالزام القسري للقيادة الفلسطينية للقبول بالمفاوضات الجديدة، رغم عدم تنفيذ الحكومة الإسرائيلية أي تنازلاتٍ طُرحتْ عليها من قبلِ المفاوضِ الفلسطيني وإصرارها على مشروعاتها الاستيطانية، لكنها وافقت على المفاوضات لأهداف مشتركة مع الولايات المتحدة تجاه إيران، ولبقاء الحكومة اليمينية المتطرفة التي تخشى أن تميد الأرض بها عبر انتخابات جديدة أو عبر تحريك الأطراف الإسرائيلية ضدها.
في حين ان الأطراف الفلسطينية المؤيدة لإيران تقوم بأعمال عنف وتفجر ألفاظ الثورة وصواريخ اللغة في السماء، متأكدة من صمود إيران.
والحكومةُ المصريةُ بدورها قامت بتنظيف سيناء من الصواريخ المخبأة في كهوف الجبال والأمكنة الأخرى، بعد أن أنكرتْ حدوث الضربات الصاروخية من الجانب المصري، وهذا تعبيرٌ عن اتساعِ التمشيط والخطة المشتركة الجارية الواسعة لتنظيفِ المنطقة من أسبابِ التوتر ومن خلايا الهجوم المضادة في حالةِ توجيه الضربة لإيران.
عمليةُ المصالحةِ الوطنية اللبنانية واللقاءات السعودية والسورية تدخل في استراتيجية التهدئة هذه، لمنع تحويل لبنان لساحةٍ كبيرة لردود الأفعال الناتجة من الهجوم المنتظر المحتمل، وهي ساحة مفتوحة لكل الأطراف.
وكان توجيه الاتهامات لحزب الله باغتيال الحريري يدخل في هذا السياق، فبدلاً من أن يكون الحزبُ مُهاجماً سياسياً لإسرائيل كما حاول أن يقوم بذلك خلال الأشهر الأخيرة وبعمليات المناوشات والتحدي للقوات الدولية في جنوب لبنان، تم جرهُ للدفاعِ عن نفسه، وُوضع في زاوية معينة، لكي تُشل يداه عن الهجوم، أو أن يُضرب بشكلٍ له (مبررات) قانونية دولية.
لكن التهدئات هذه يشوبها دائماً عدم الحسم النهائي، فالأطراف كلها قد تعود للصدام، أو تغدو المفاوضات بلا قيمة حقيقية، ولهذا فإن الجهود الأمريكية قد تكون ضائعة.
ولذلك كانت التهدئاتُ المتعددةُ في الساحة السياسية العراقية تدور في حلقة مفرغة وغدت مسألة عدم وجود حكومة منتخبة مسألة مثيرة للقلق شعبياً ومناطقياً وعالمياً، لكن وجود ساحة سياسية عراقية قلقة مضطربة مفيد للصقور في الحرس الإيراني، وربما يغدو حتى الاستيلاء على الحكم أو القيام بتدخلات عسكرية إيرانية واسعة في العراق احتمالين ممكنين مع حدوث الضربة التي سوف تغير خريطة الشرق الأوسط.
التهدئة الواسعة وحل المشكلات العنيفة في الدول المختلفة، وضرب الجماعات العنفية بسرعة وحسم عنيف، هي أجزاء من هذه الاستراتيجية.
وجاء إفتتاح مفاعل بوشهر وتعاون روسيا في ذلك والحديث عن هجوم إسرائيلي متوقع، ثم إعلان أمريكي بأن المفاعل سوف يحتاج إلى سنة من أجل أن يكون قادراً على التخصيب الواسع لليورانيوم المؤدي لإنتاج قنابل نووية، جزءاً من الحرب الإعلامية النفسية للطرف الإيراني والجمهور العام في المنطقة لتقبل الضربة.
ويبدو ان ثمة تقنيات عالية جداً سوف تُستخدم في هذه العملية الخطرة على السكان والحياة في المنطقة، لكن التغيير الأمريكي الواسع النطاق لمسرحِ الشرق الأوسط والجهود المحمومة لفرض السلام والاستقرار لا يصلان في الواقع إلى جذورِ المشكلات فهي مجردُ مسكناتٍ لمريضِ الشرق الأوسط الموزع بين العوز والاضطراب حتى تمر العملية الحربية.
أخبار الخليج 7 سبتمبر 2010