أذكر تصريحاً صحفياً، منذ سنوات، منسوباً إلى الشيخ عادل المعاودة قال فيه إن 15% من أعضاء مجلس النواب طائفيون، وقد بدا لنا، يومها، أن هذا التصريح متفائل جداً. فإذا صح تقدير المعاودة هذا، فإن ذلك يعني أن هناك ما نسبته 85%، وهم بقية النواب غير طائفيين.
لكن المشكلة هي اننا لا نعرف ما هو المعيار الذي إليه استند أبوعبدالرحمن في هذا التحديد الذي قال بكامل الثقة وبطريقة توحي بدقة الحساب. ودون أن ندخل في جدل حول النسبة وحول المعيار الذي بموجبه حددت، بوسعنا القول انه حتى بافتراض أن هؤلاء لا يشكلون أكثر من 15% فإنهم نجحوا في إضفاء الطابع الطائفي على أداء البرلمان، ونقلوا الأمر خارجه، أي إلى المجتمع.
والشيخ المعاودة محق في ما يذهب إليه من أن الطائفية لم تنشأ بسبب البرلمان، فهي سابقة له، وهي ذات جذور ضاربة في مرافق ومناحي شتى في الدولة وفي المجتمع، لكن البرلمان، بطريقة الأداء الموتور للكثير من أعضائه، ساهم في تغذية تربتها بالمزيد من السماد المشبع بسمومها. وها هم النواب ينقلون هذه الأجواء إلى حملاتهم الانتخابية المبكرة فيزيدون الأوضاع تسمماً. بحيث إننا نطالع برامج ووعوداً انتخابية لا تخاطب سوى الغرائز الطائفية البغيضة، ولا تغلب الهم الوطني المشترك الذي يجمع أفراد هذا الوطن في قارب واحد، إن غرق فسيغرق جميع من هم فيه، لا فرق في ذلك بين من يتحدر لهذا المذهب أو ذاك.
على كل حال، من الإجحاف أن نحمل مجلس النواب أو بعض أعضائه مسؤولية كل المثالب والبلاوي في هذا البلد، ودون أن نعفيهم من حصتهم من هذه المسؤولية، علينا القول إن استشراء الغلواء الطائفية بات أمراً مقلقاً ويحتاج إلى مبادرات حقيقية، على الصعيد المجتمعي العام للتغلب عليه أو الحد منه على أقل تقدير، خاصة وان التأثيرات الآتية إلينا من المحيط الإقليمي المجاور تساهم في إشعال الأوار الطائفي بطريقة تبدد ما تكرس من تقاليد التسامح والعيش المشترك لأبناء الفئات المختلفة.
ويتعرض مناخ التسامح هذا لمخاطر التقويض جراء التجييشات الطائفية من هنا ومن هناك، حيث تزداد غلبة الطابع الفئوي والطائفي على الكثير من المناشط، ويتمترس أبناء كل طائفة خلف زعاماتهم وشعاراتهم الفئوية، ويبهت دور الزعامات الوطنية المعبرة عن الوجدان الوطني المشترك لشعبنا لصالح قيادات ميدانية ذات نفس طائفي، لا تستطيع أن ترى ما هو أبعد من حدود الحي الذي تنتمي إليه.
الغائب الأكبر عن لعب دوره المناط به في هذا الظرف الدقيق هو التيار الديمقراطي الذي مازالت جهوده مشتتة، متنازلاً عن دوره المستقل في توجيه الحركة الشعبية بشعارات وطنية عامة ذات طابع ديمقراطي وتقدمي، فلم تعد الناس تفرق كثيراً بين أداء القوى الديمقراطية وأداء القوى الأخرى، لأن القوى الديمقراطية لا تطرح نفسها على صعيد الممارسة بصفتها بديلاً وصاحبة رؤية وبرنامج مختلفين.
وفي الظرف الدقيق الذي تجتازه البلد اليوم، سياسياً وأمنيا، حيث تبرز الحاجة لدور جامع يذكر البحرينيين بما يوحدهم، ويضع حداً للفزعات الطائفية بكافة تلاوينها، فان الأبصار تتوجه نحو هذه القوى بالذات لتكون في مستوى هذا التحدي.