المنشور

نعــم يوجــد بديــل


عطفا على حديثنا وحديث سوانا المتكرر عن الخيار الوطني بوصفه بديلا للاستقطاب الطائفي والمذهبي الحاد في المجتمع، نؤكد على دعوتنا التي قلناها مرارا، حول ضرورة الالتفاف حول برنامج شامل للفترة القادمة يعنى بالأولويات الوطنية الجامعة.

في ظروف اليوم تتضاعف أهمية هذه الدعوة مرات عدة. ها نحن شهود على التسعير الطائفي المقلق، وعلى غياب، وربما ضياع، الأجندة الوطنية الموحدة للقوى السياسية والاجتماعية الفاعلة، بما فيها القوى المعارضة التي لا تعرف بأي ميل تميل، تضيق وتتسع حسب الحساب السياسي الآني والظرفي، لا حسب رؤية وطنية واضحة ومحددة.

ومثل هذه الدعوة ليست جديدة، وسبق أن أطلقناها عشية الانتخابات النيابية والبلدية السابقة، ويومها قلنا إن لم تجد هذه الدعوة طريقها للتطبيق، فإننا سنعض الأصابع ندما حين نفوق بعد حين لن يطول على أننا أهدينا القوى المناهضة للإصلاح وللبناء الديمقراطي أربع سنوات، هي مدة الفصل التشريعي، لكي تغرق المجلس النيابي، وبالتالي المجتمع كله، في سجالات سيهيمن عليها الطابع الطائفي والمذهبي، ومن يعش يرى!

وعشنا ورأينا أن هذا ما حدث تماماً، واليوم نقول أيضاً انه لن ينقذ المجلس القادم من ضلالة المذهبية والطائفية سوى وجود تحالف وطني معارض يضم، في من يضم القوى الديمقراطية التي بوسعها أن تقدم وجوهاً وطنية معروفة بخبرتها في العملين النقابي والوطني وفي الالتزام بالقضايا الموحدة للوطن والشعب.

ذلك انه سيتعين على المجلس القادم أن يعمل في ظروف أشد تعقيدا بما لا يقاس من تلك التي عمل فيها المجلس الحالي، فبالنظر إلى أن القوى الاجتماعية الرئيسية ستكون كلها ممثلة فيه، وبالنظر أيضا إلى أن المجلس القادم سيجد نفسه مطوقا من حيث شاء أم لم يشأ، كما انه سيعمل في مناخ عام ربما يفتقد الزخم السياسي الذي طبع المجتمع في السنوات السابقة.

لقد أهدرت فرص جيدة للتطوير السياسي وبناء مؤسسات المجتمع المدني خلال الفترة المنصرمة، وغاب الرشد عن أداء قوى مختلفة، هنا وهناك، واندفعت البلاد نحو مواجهات ومصادمات كان بالإمكان تفاديها لو جرى التركيز على استثمار أدوات العمل السياسي السلمي وعلى فسحة الحرية التي تحققت بشق الأنفس وكثرة لنضال طويل دام عقوداً.

والوطن اليوم على مفترق طرق، انه بحاجة لأن يسمع الصوت البديل، صوت التهدئة والعقل والحكمة، لا صوت التشنج والتصعيد واستنفار المحفزات الطائفية والمذهبية، من أجل ألا يستمر الانزلاق أكثر وأكثر في هذا الطريق.

وكما أهاب البيان الصادر منذ يومين عن المنبر التقدمي وجمعية «وعد» والتجمع القومي فان مسؤولية كبرى تقع على عاتق التيار الوطني الديمقراطي من قوى وشخصيات في هذا المجال، لأنها القادرة على تجاوز الانحيازات الفئوية وحشد الجهود نحو عمل وطني واسع يحمي البلاد والمجتمع مما لا تحمد عقباه من تداعيات وتطورات.
وفي تقديرنا أن مثل هذا الخيار وحده إذا ما قدر له النجاح، سيكون سفينة النجاة من التردي السياسي ومن الانزلاق الأهوج نحو الطائفية والولاءات التقليدية التي تنأى بنا أكثر فأكثر عن شروط ومتطلبات بناء الدولة الحديثة، دولة القانون والمؤسسات والمواطنة المتكافئة.