المنشور

الروية وليس الفزعة الطائفية


في هذا الظرف الدقيق تحتاج البحرين إلى التهدئة والروية في معالجة الأمور والنأي عن التصعيد من قبل جميع الجهات، وبلورة موقف وطني جامع نابذ للعنف بكافة صوره وتجلياته، ينطلق من ضرورة صون السلم الأهلي، وتأمين الاستقرار، وخلق مناخ يمكن من التفاهم حول قضايا الوطن الكبرى في المجالات السياسية والتنموية.
وقد خلصنا في مقال الأمس إلى أهمية الحفاظ على الحريات العامة وتطويرها باعتبارها المنجز الرئيسي للتحولات التي شهدتها البحرين بفضل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، فعبر هذه الحريات يمكن للقوى السياسية والمجتمعية المختلفة أن تطرح مواقفها وتصوراتها لراهن البلد ومستقبلها، انطلاقاً من القناعة التي يجب أن تكون راسخة في الأذهان بأن البحرين هي بيتنا المشترك، أو سفينتنا التي تقلع وسط أنواء إقليمية معقدة، ومسؤوليتنا جميعاً توجيهها الوجهة الصحيحة، لأنها إن غرقت فسنغرق جميعاً.

ان كل المخلصين لهذا الوطن، وكل من قلوبهم عليه وعلى مستقبله لا يسرهم أن نندفع نحو الفزعات الطائفية هنا وهناك، وإنما أن نتوجه بعقول وقلوب مفتوحة نحو التبصر المسؤول في أوضاعنا، برغبة تجاوز الوضع المحتقن حالياً بأقل كلفة ممكنة، وأن نحافظ على ايجابيات ما تحقق في البلاد خلال السنوات الماضية، وهي ايجابيات مهمة، برغبة التغلب على المعوقات، وتوسيع المشاركة السياسية، ومعالجة قضايا بناء الوطن، وإزالة ما يعترض ذلك من ممارسات وتشريعات وفساد وأنماط تفكير يفترض أنها تعود للمراحل السابقة.

وأشد ما يقلق الغيورين على الوطن هو آفة الطائفية التي يمكن أن يستفحل انتشارها في جسم المجتمع، فتنخر منه الأوصال وتؤدي إلى تخثر الدماء فيه، وساعتها لن يجدي البكاء على لبن مسكوب، فتجربة بلدان عربية عديدة، بينها بلدان قريبة منا وتشبه بلدنا في بعض خصائص تكوينها، تشير إلى المآل المدمر إذا سارت الأمور في اتجاه الشحن الطائفي والتعبئة المذهبية، وفي مثال العراق الشقيق عبرة لمن أراد أن يعتبر، لأن ورقة الطائفية ورقة خطيرة، ويمكن لمن يحاول أن يلعب بها معرفة كيف يبدأ اللعب، لكنه بالتأكيد لا يعرف المصير البائس الذي يمكن أن تؤدي إليه، فلا أحد سيكون بمنجاة من آثار ذلك المصير.

نحن الذين ندين العنف وسنظل مصرين على إدانته ونبذه، ودعاة صادقين للعمل السياسي السلمي الذي لا يساوم على حقوق الناس والهادف إلى تطوير الممارسة الديمقراطية ومحاربة الفساد واحترام حقوق الإنسان، يهمنا أن نؤكد على ضرورة أن يعلو صوت العقل والحكمة في هذه المرحلة الدقيقة، من أجل نبذ الفزعات الطائفية، والتأكيد على قيم المواطنة والانتماء لهذه الأرض الغالية، ومستقبل أهلها، الذين اختار لهم القدر العيش المشترك فوقها.

وقد أثبت البحرينيون في مراحل فاصلة من تاريخهم أنهم أوعى من أن ينجرفوا نحو الفتن الطائفية، واستطاع قادة الحركة الوطنية ومناضلوها على مدى عقود أن يعطوا البرهان في إمكانية توحيد الجهود في العمل القضايا المشتركة للشعب، التي تتمحور في جوهرها حول مسألتين رئيستين، هما تأمين الحياة الحرة الكريمة للمواطن وضمان المشاركة السياسية للشعب، وفي سبيل هذا النوع من العمل المسؤول فليتنافس المتنافسون.