ذلك أفضل ما يمكن أن نقوله أو نكتبه أو نتمنى أن تكون عليه أوضاع بلادنا وهي تمر منذ أسابيع قليلة بفترة حرجة من تاريخها السياسي، وفي ظل مؤشرات تصعيد لا تخلو أبدا من توقع لسيناريوهات ربما تكون وخيمة إن استمر الوضع على ما هو عليه من توتر واضطراب لا سمح الله، ولنتذكر بأن ما يدور من أحداث أمنية يحدث في شهر التسامح والتراحم، فيما أعمدة الدخان والحرائق وظلمة الشوارع والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة في مختلف القرى والمدن مستمرة وسط جو يذكرنا جميعا بفترة سوداء لا نريدها أن تعود مجددا بكل تأكيد!
منذ أكثر من عام ونصف، تحديدا مطلع العام الماضي، قمنا نحن في المنبر الديمقراطي التقدمي بتقديم مبادرة الحوار الوطني التي لاقت صدى واسعا وايجابيا لدى الشارع البحريني بكل فئاته، وذلك على خلفية توقيف بعض الناشطين آنذاك، تضمنت سلة مبادئ تلتزم بها القوى السياسية والاجتماعية من جهة، والحكومة من جهة أخرى، يتوجب على القوى السياسية والاجتماعية من خلالها مزيدا من احترام النظام السياسي الذي توافق عليه شعب البحرين في ميثاق العمل الوطني، وترشيد الخطاب السياسي واحترام هيبة الدولة ورموزها، والبعد عن الإساءة إليها، بالإضافة إلى نبذ كافة مظاهر العنف من حرق وتفجيرات واعتداءات على رجال الأمن، والتأكيد على سلمية العمل السياسي، والالتزام بالقواعد والأطر القانونية المنظمة له، على أن يترافق ذلك مع استمرار المطالبة بتطوير تلك القواعد والأطر ومزيد من الحريات لترتقي للمعايير الدولية، وأخيرا وقف خطابات التحريض والتخوين والتشكيك في الولاء الوطني للمواطنين على أساس انتمائهم المذهبي، وتجريم كافة أشكال التسعير المذهبي والطائفي من أي جهة جاءت ومعاقبة من يروج لتلك الخطابات.
وقمنا في شرح مسببات دعوتنا وتصدينا بموضوعية لمن تهكموا على تلك المبادرة الخيَرة أو رأوا عدم أهميتها، حيث لا مشاكل في البحرين حسب قولهم، وبالتالي لا توجد موجبات للحوار حولها أصلا، في حين وصمها البعض بأنها دعوة بائسة، فيما قام الآخرون بوصمنا بالحكوميين، ومازالت شرذمة من هؤلاء مستمرة في محاولاتها لتسقيطنا بذات العقلية المراهقة المتهافتة اللاهثة حتى وإن بلغت سن الشيخوخة وزمن الأفول، ولكن لا بأس فهذا هو قدرنا!!
حينذاك أوضح الدكتور حسن مدن أميننا العام توجهنا الذي مازال قائما وسيظل، طالما بقيت تلك الحالة ملازمة لبلادنا، دون أن نخرج منها حتى الآن، حيث قال فيما قال «نحن نريد الحوار لكي نبلغ اليوم الذي نفتح فيه صحفنا اليومية، فلا نجد صورة لحافلة أو سيارة أتت عليها النيران، ونريد الحوار لكي لا نرى صورة حاويات عند مداخل القرى وهي تشتعل، ونريد الحوار لكي لا نسمع أو نقرأ عن اعتصام غير مرخص فرقته الشرطة بالقوة، أو عن اعتصام مرخص تحول في نهايته إلى مسيرة غير مرخصة، جوبهت بمسيلات الدموع والرصاص المطاطي. نريد الحوار لكي لا نقرأ أخباراً عن القبض على مشاركين في أنشطة غير مرخصة، ولكي لا نقرأ تقارير عن سوء معاملة الموقوفين، ونريد حواراً لكي لا تصدر تقارير تقول إن مكانة البحرين في سجل حقوق الإنسان نزلت درجة أو درجات، لأننا نريد لهذا الوطن أن يتقدم دائماً».
ونريد الحوار الوطني الشامل لكي لا يقف إمام جامع من هذه الطائفة أو تلك ليقول في خطبة الجمعة ما يُفهم منه انه إساءة للطائفة الأخرى. ونريد الحوار الوطني لكي نتفق، في المجتمع والدولة، على أن يكون خطابنا السياسي رشيداً وعقلانياً، يفرق بين نقدنا لأداء الحكومة في أي مجال من المجالات، وبين حرصنا على حفظ مهابة الدولة ومحورية دورها في حياة المجتمع وأبنائه».
نعيد التذكير بكل ذلك لأننا مازلنا نراهن على مزيد من النضج والرشد في التعاطي مع الشأن السياسي، ومن قبل الجميع، كما نحتاج إلى بعد النظر والتعاطي بمسؤولية مع كل ما يجري، ولأننا نستطيع أن نقرأ تبعات ما يدور وانعطافاته المحتملة الخطيرة، وقبل أن يمنعنا انفلات الأقلام والتصريحات الطائشة والتخندق الطائفي والمواجهات من العودة إلى لغة العقل والمنطق والحوار حول كل قضايا الوطن، وبعيدا عن دعوات الفرقة وتأجيج حالة الاستنفار في كل اتجاه، وفي ذلك نعول على اعتبارات عدة يأتي في مقدمتها حكمة جلالة ملك البلاد حفظه الله الذي عودنا إلى جانب ما يمتلكه من حزم وروية، فهو خير من يستطيع أن يضع الأمور في نصابها ويعيد للبحرين فرحها المصادر ووئامها المفتقد عبر مبادرات ليست بغريبة على جلالته، كما نعول على خطاب رشيد وحكمة مبتغاة نتلمسها لدى بعض كياناتنا المعارضة، عليها أن تفصح عنها بوضوح وبصور شتى عبر خطاب مسؤول وانحياز وطني يبتعد عن تأطير ما يجري في إطارات مذهبية أو طائفية أو قبلية، فهذا الوطن بات يحتاج إلى مزيد من الهدوء والاستقرار وكثير من الحكمة والحب والانصهار بين مختلف مكوناته دون الاستسلام إلى نفير مصطنع أو تأجيج لا يحتمل!!
صحيفة الايام
25 اغسطس 2010