أود أن أتحدث من القلب إلى القلب راجياً ألا تضيق الصدور، شريطة أن يكون هذا الرأي نابذاً للعنف وواقفاً مع مبادرات الإصلاح ومع حكم القانون والمؤسسات. وهذا النداء ينطلق من شخص قلبه على البحرين، ويؤمن أن ما تحقق من إنجازات يمكن أن يستمر ويتطور الى الأفضل، وأن تزول معيقات البناء والتنمية، ولكن مع تواجد الرأي الآخر. إنني أتفهم حساسية ودقة المرحلة التي نمر بها حالياً، وأدعو الله في هذا الشهر الكريم أن يحفظ البحرين وقيادتها وأهلها.
وأود الإشارة بمثال من خارج البحرين لكي أتمكن من إيصال الفكرة… فالصين التي تستعد حالياً لاحتلال الموقع الثاني في الاقتصاد العالمي، كانت صاحبة حضارة عظمى في الماضى، حتى أن «طلب العلم في الصين» كان المثال الذي يطرحه المسلمون في صدر الإسلام. فقد كانت الصين هي التي اكتشفت كيفية صناعة الورق، وصهر الحديد، وهندسة القنوات الزراعية، والبارود، وكانت طرق التجارة تمتد منها واليها … وكانت ممن ينظر إليهم عالياً ويشار إليهم بالبنان بينما كانت أوروبا تعيش في القرون المظلمة .
غير أن حال الصين في القرن الرابع عشر الميلادي بدأ يتدهور، فالورق كان فقط لاستخدام المسئولين في الدولة (بمعنى أن وسيلة العلوم وانتشارها بين الناس منعت)، والتجارة لم تعد مهمة اذ ساد رأي يقول بأنه يمكن التحول إلى مجتمعات زراعية محلية مغلقة… كما أن صهر الحديد لم يعد مهماً ولم يطور، وانتقلت الجهود التي كانت تبدع في مجال الصناعة والتجارة إلى «إعادة بناء سور الصين العظيم» للحماية من أخطار محتملة. وفي النتيجة بدأت الصين تفقد موقعها الكبير آنذاك بشكل مستمر، وأصبحت لاحقاً ضحية للاستعمار الأوروبي والغزو الياباني، وتحولت حضارتها إلى تاريخ.
وفي رأي مؤرخين، فإن الصين في تلك الفترة افتقدت إلى الرأي الآخر الذي كان يمكن أن يشير على مسئولي الدولة بأن بعض السياسات قد تؤدي إلى أن تفقد البلاد تفوقها على الآخرين، ولأن الجميع كان يردد كلاماً واحداً، فإن القرار عندما اتخذ بعدم الاهتمام بصناعة الحديد (قبل أن يكتشفها الغرب لاحقاً ويطورها ويبدأ بثورته الصناعية)، أو بقطع طرق التجارة، لم يكن هناك من يجرؤ على الإشارة إلى مخاطر مثل تلك القرارات.
والإشارة إلى هذا المثال هي فقط من أجل توضيح فكرة أن الضيق بالرأي الآخر قد لاينفعنا في تثبيت منجزاتنا الوطنية التي تحققت بإرادة مشتركة، قادها جلالة الملك خلال عشر سنوات مضت، ومن دون شك فإن كل مخلص لبلده يود أن يرى استمرار هذه الإنجازات، بحيث يستطيع المرء أن يشعر بالفخر والكرامة بأنه يعيش في بيئة آمنة رافضة للعنف ولاتبرره بأي شكل من الأشكال، ولكنها أيضاً بيئة وطنية لاتضيق بالرأي الآخر.
صحيفة الوسط 21 أغسطس 2010م