في الخامس عشر من فبراير من العام الفائت أطلق المنبر التقدمي مبادرته المعروفة للحوار الوطني، على خلفية توترات أمنية وسياسية شهدناها في تلك الفترة، ربما لم تبلغ مستوى التوترات الراهنة، ولكنها لم تكن قليلة الخطورة أيضاً.
الأصوات العاقلة في هذا الوطن وقفت بقوة مع مبادرة المنبر التقدمي، التي تركت صدى إعلامياً وسياسياً ونيابياً واسعاً، ولم نكن عند رفعنا لشعار الحوار الوطني واهمين في أن تحقيق هذا ذلك سيكون مهمة هينة، وسط تعقيدات كثيرة ليست خافية على الجميع، ولكننا مع ذلك نجحنا في أمر أساسي هو أن نجعل كلمة الاعتدال والمعالجة الرصينة للأمور مسموعة على نطاق واسع.
معلوم أن جلالة الملك أصدر في تلك الفترة عفواً ملكياً عن المعتقلين، وفي حينها قلنا أن تلك الخطوة الملكية المهمة تهيىْ أرضية مناسبة للانطلاق نحو مرحلة جديدة، تنهي دوامة العنف في البلاد، وتعود بالبلاد إلى منهج التعاطي السياسي المسؤول مع مختلف قضايا الوطن.
ولكن للأسف الشديد لم تسر الأمور في هذا الاتجاه، ودخلت البلاد مجدداً في موجة جديدة من أعمال العنف وتخريب الممتلكات، وقطع الطرقات بالإطارات المحروقة وما إلى ذلك من أساليب لم تزد الأمور إلا تعقيداً في غياب آلية حوار متفق عليها بين الأطراف الفاعلة في البلاد.
وليست الدعوة إلى الحوار وبلوغ تسويات سياسية وتوافقات حول المسائل الخلافية في البلاد بين الدولة والقوى المجتمعية المختلفة بأمر طارئ وجديد على المنبر التقدمي، فهذا ما حرصنا عليه خلال السنوات الماضية، لذا فإننا لا تنطلق من فراغ، وإنما نستند إلى مجمل منهجنا في العمل السياسي الذي عرفنا به المجتمع والقوى السياسية والاجتماعية، وحتى الدولة نفسها.
وحين نعيد التأكيد اليوم على الأفكار التي طرحناها في مبادرة فبراير 2009 المذكورة، فإننا ننطلق من الموقف المبدئي الذي أعلناه في البلاغ الصادر عن مكتبنا السياسي في الخامس عشر من الشهر الجاري، حيث أكدنا رفضنا المبدئي القاطع لكافة ممارسات العنف واستهداف الممتلكات العامة والخاصة ومرافق البنية الأساسية، وضرورة ترشيد الخطاب السياسي، باستثمار قنوات التعبير المتاحة في طرح قضايا الوطن، والعمل على تطوير الممارسة الديمقراطية وتوسيع المشاركة السياسية وتأمين الحياة الكريمة للمواطنين وتأكيد مبدأ المواطنة المتكافئة في الفرص والحقوق والواجبات.
كما أكدنا على ضرورة توفير الضمانات القانونية الضرورية للموقوفين في التحقيق والمحاكمة العادلة والشفافة، وسرعة إطلاق سراح من لم توجه لهم أي تهم من قبل النيابة العامة.
ونحن في ذلك ننطلق من تمسكنا بضرورة إعمال القانون، وحق الدولة في تأمين الاستقرار والأمن في البلاد، وهو حق لا يجب ربطه بأي شرط، فعدم حل أي ملف من الملفات لا يبرر أبداً اللجوء إلى الممارسات العنيفة، وإنما إلى العمل في سبيل توسيع نطاق الحريات العامة وأشكال التعبير السلمي.
وهي نفسها المبادئ التي نصت عليها مبادرتنا، حين أكدت على احترام النظام السياسي في البلاد الذي توافقنا عليه عند التصويت على ميثاق العمل الوطني، ونصت عليه المادة 1 من الدستور، وترشيد الخطاب السياسي واحترام هيبة الدولة ورموزها، والبعد عن الإساءة إليها، ونبذ كافة مظاهر العنف، والتأكيد على سلمية العمل السياسي، والالتزام بالقواعد والأطر القانونية المنظمة له.
صحيفة الايام
23 اغسطس 2010