المنشور

الحركات العمالية: هل ثمة من أمل؟ (4)


إحدى طرق تطوير قاعدة السلطة المحلية للحركة العمالية هي وضع نقاط وصول متعددة للتنظيم، مثل المراكز العمالية. هنا يستطيع العمال الانضمام بصرف النظر عن جهة توظيفهم. يمكن أن يكون المركز مصنعاً مُعيناً أو في الحي، لذا لا يهم في أي المصانع يكون العامل يعمل، بإمكانهِ الإنضمام. إن تجارب العمل مع مراكز العمال تنتشر في جميع أنحاء العالم، خاصةً انتشارها بين العمال من ذوي الأجور المُتدنية الذين هم عُرضة للفصل من أعمالهم في أي وقت، من ضمنهم العمال المهاجرون.



 



الحركات العمالية: هل ثمة من أمل؟ (4) 



 

 بقـــــلم: Fernando E. Gapasin and Michael D. Yates
ترجمة: غريب عوض
 


          إحدى طرق تطوير قاعدة السلطة المحلية للحركة العمالية هي وضع نقاط وصول متعددة للتنظيم، مثل المراكز العمالية. هنا يستطيع العمال الانضمام بصرف النظر عن جهة توظيفهم. يمكن أن يكون المركز مصنعاً مُعيناً أو في الحي، لذا لا يهم في أي المصانع يكون العامل يعمل، بإمكانهِ الإنضمام. إن تجارب العمل مع مراكز العمال تنتشر في جميع أنحاء العالم، خاصةً انتشارها بين العمال من ذوي الأجور المُتدنية الذين هم عُرضة للفصل من أعمالهم في أي وقت، من ضمنهم العمال المهاجرون.
 باستطاعة هذهِ المراكز تقديم الخدمة لعدد من الوظائف: تزويد العمال بفرصة تشكيل تجمعات ومشاركتها العمال في تظلماتهم وتقديم أسس المعرفة بالحقوق لهم، وتنمية الوعي السياسي لديهم من خلال الاعمال قليلة المخاطر، والعمل تجاه بناء حركة عمالية يمكنها الحصول على مكاسب مُهمة لهم، مثل “ألراتب المعيشي”. كما أنهُ بإمكان هذهِ المراكز أن تكون نقاط ولوج إلى النقابات المهنية التي لولا هذهِ المراكز لن يكون بإمكانها الوصول إلى تجمعات بشرية مُعينة، مثل المهاجرين الذين لايجيدون التحدث باللغة الإنجليزية.
 
          ثانياً، في أي نوع من التنظيمات، لا بد أن يكون لهؤلاء الذين يتمتعون بأعلى المستويات من الوعي الطبقي دور مركزي في التنظيم. سوف يكونوا هم أفضل من يستطيع توضيح الأمور للآخرين، وادراك الروابط بين الظروف المحلية والعالمية. كما أنهم سوف يكونوا أيضاً أفضل من يستطيع رؤية الروابط بين الاشكال العديدة من عدم المساواة والظلم الموجود في جميع المجتمعات الرأسمالية.
 
وإذا سلمنا بطبيعة الرأسمالية الحديثة، فإن النساء وهؤلاء الأشخاص الملونون الذين يتمتعون بأعلى مستويات الوعي الطبقي لا بد أنهم سوف يكونوا القياديين الرئيسيين لأي حركة عمالية. وفي نفس الوقت لا بد من بذل الجهود الجبارة لتعرية أضعف نقاط الرأسمالية؛ لأن في هذهِ النقاط يكون دور أولئك العمال الذين هم على أعلى درجة من الوعي الطبقي أكثر فاعلية وتأثيراً. فيجب على عمال المواصلات، وعمال توريد الغذاء، وعمال التكنولوجيا العالية، والعمال الآخرين في المواقع المُهمة أن يُنَظموا أنفسهم ويجب أن يبذلوا قُصارى جهدهم بأي الطُريق يستطيعونها.
 
          ثالثاً، لا بد من إيجاد طُرق للتواصل مع القطاعات المستقرة والقطاعات غير المستقرة للطبقة العاملة، بمعنى، هؤلاء الذين يتمتعون بضمان وظيفي نسبي، والقطاع المتبرعم المُهدد في وظائفهِ بسبب توظيفهم غير الرسمي. يجب إيجاد تنظيمات لحركات عمالية واسعة، أوسع من النقابات العمالية العادية، لتضم الحركة العمالية بكاملها. ربما استيلاء التجمعات البشرية والعمال على المصانع في الارجنتين وفي فنزويلا سوف يضيئ الطريق في هذا الاتجاه.
 
          رابعاً، وهو المهم هنا، يجب أن نطرح السؤال ما هو الهدف من الحركة العمالية؟ لماذا يجب أن يشكل العمال تنظيماتهم؟ بعبارة أخرى، ماهي مبادئ الحركة العمالية؟ ما الفائدة، على سبيل المثال، من الحديث عن تنظيم اتحاد العمال الأمريكي، ومؤتمر المنظمات الصناعية AFL-CIO ونقاباتهما العمالية، إذا لم نطرح مثل تلك الأسئلة على أنفسنا. هذا لأن مبادئ أي حركة سوف تُملي علينا هيكلها، إلى حد بعيد. ليس لدى نقابة موظفي الخدمة الدولية SEIU، ورابطة سواق الشاحنات الدولية IBT ما يقولونه عن تلك الأسئلة، إذن، ليس في استطاعتنا إلا أن نفترض أن ما يجول في تفكيرهم هو استمرار التحالف البرغماتي المحافظ، والأمل في عودة الاتفاق العمالي. وبعبارة أخرى، العمل مُستمر كالمعتاد، أو على الأقل كما كان قبل أربعون عاماً.
 
لقد أشار بيل فليتشر جونير Bill Fletcher Jr. إلى المشكلة على نحوٍ بليغ بالمقاربة التالية:
 
هكذا، قهرت المشكلة الحركة النقابية في الولايات المتحدة الأمريكية؛ تلك المشكلة التي لايمكن حلها في داخل النموذج الجومبيرزي- نسبةً إلى القائد العمالي سامول جومبيرز Samuel Gompers  (1850 – 1924). إذا أقرت بأن الرأسمال العالمي متورط في حرب إبادة ضد القوى العاملة ؛ وإذا أقرت بأن الرأسمال الأمريكي يُريد محو النقابات من المشهد الأمريكي؛ وإذا أقرت بأن الأمر بات صعباً بشكل متزايد رفع المستويات المعيشية في أي قطاع من قطاعات الاقتصاد دون اللجوء إلى مقاربة دولية؛ وإذا أقرت بأن التوزيع السكاني للقوى العاملة في الولايات المتحدة مُتغير؛ وإذا أقرت بأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة هي في خدمة جناحين إثنين مختلفين للدوائر الحاكمة، أيٌ منهما لا يأبه بالطبقة العاملة، وكلاهما مهتم بشكل من الهيمنة الدولية أو بآخر؛ وإذا أقرت بأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة تولد كراهية الشعوب في جميع أنحاء العالم للولايات المتحدة، عندها فقط تكون القوى العاملة المنظمة في الولايات المتحدة مُلتزمة بإعادة التفكير في أساسيات أوضاعها.
إن إعادة التفكير في أساسيات أوضاعنا يعني في الحقيقة لا بد من فتح حوار ضمن الحركة النقابية بين هذه والحركات الأخرى. ويجب أن يهدف هذا الحوار إلى إعادة تصور العمل النقابي. وتحتاج إعادة التصور هذهِ إلى قيادة الاتجاه الذي أطلقنا عليه أنا وزميلي فيرناندو غاباسن Fernando Gapasin إسم “نقابية العدالة الاجتماعية”. إن هذا أكثر من مجرد عملية تنظيم واكثر من مجرد إقامة تحالفات مع قطاعات أخرى من السكان.
تبدأ نقابة العدالة الاجتماعية بفرضية أن الاتفاق الجديد ودولة الرفاهية كما كنا نعرفها في زمن ما، لن يعودا مرة أخرى. وفي نفس الوقت، أن النزوع نحو الهمجية، والحرب اللانهائية، وإفقار أعداد متزايدة من الناس يجب أن يتوقف. وهكذا، فإن مسألة مستقبل العمل النقابي يجب ربطها على نحوٍ متكامل بإعادة الترتيب السياسي في هذا البلد وبنضال يقظ للفوز بالسلطة السياسية. كما يجب ربطها، بطريقة مختلفة جداً، للنظر إلى النقابات والتنظيمات الجماهيرية الأخرى للشعوب في العالم. وهذا يعني، أنه يجب علينا أن ننبذ الغطرسة الأمريكية التقليدية التي تفترض أن النور والحياة يبدآن ضمن حدود الولايات المتحدة الأمريكية.
 
          الشيء المتضمن في تعليق بيل فليتشر جونير هو أنه لا بد للقوى العاملة أن تتجه نحو اليسار إذا أرادت البقاء. فعلى سبيل المثال، إذا كان أحد أهداف الحركة العمالية هو تضييق الفجوة بين الاغنياء والفقراء أو أن تخلق مساواة اجتماعية أفضل، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل بالإمكان تحقيق هذهِ الاهداف في ظل الرأسمالية أو هل يجب على الطبقة العاملة (والنقابات والحركات العمالية) وضع أساليب تتحدى بها المؤسسات الرأسمالية، من ضمنها الصفة الاستغلالية الجذرية وهي العلاقة بين الأجر والعمل.
من واقع تجربتنا، فيما يَعتبر بعض القادة النقابيين أنفسهم يساريين، وراديكاليين، أو حتى اشتراكيين، فهم يعتقدون أيضاً أن طرح القضايا الاشتراكية يُعتبر أمرا أيديولوجياً وغير عملي إلى حد بعيد. لقد أجلوا هذهِ القضايا إلى مستقبل غير محدد، ظناً منهم أنهم في حاجة إلى كسب المزيد من السلطة والنفوذ قبل أن يتسنى لهم طرح مثل هذهِ القضايا، وبما أنهم يخسرون السلطة والنفوذ بالاطنان، فإن النضال لمجرد البقاء التنظيمي على قيد الحياة يأخذ الأولوية. ولكن، ربما وضع الاهداف العليا بعين الاعتبار هو شرط أساسي للقدرة على كسب بعض السلطة والنفوذ. وطلما أن النقابات تلعب لعبة العمل ضمن النظام الرأسمالي على نحوٍ ثابت، خاضعة لقوانينه الأساسية، فإن النقابات كما نعرفها يمكن أن تهلك. يجب أن لا تقودنا الأزمة التي تواجهنا إلى تضييق رؤيتنا للذي نرُيد النضال من أجله، بل يجب أن توسع رؤيتنا له.
 
          إن التاريخ شاهد قوي على حاجتنا إلى إعادة توجيه الحركات العمالية العالمية، تلك الحركات التي تحمل مبادئ مثل التي عددتها الحركة العمالية الأمريكية المناهضة للحرب U.S. LAW. أين موقع العمال بدون اشتراكييهم وشيوعيهم، أولئك الأكثر التزاماً بالمساواة من كل نوع والذين على أتم الاستعداد للقيام بالمجازفة اللازمة (ويقنعون الآخرين للقيام بهذهِ بالمجازفة) لبناء الحركات العمالية القوية. وحتى في الولايات المتحدة المُحافظة (من حيث الحراك العمالي) لم تكتف نقابة مؤتمر المنظمات الصناعية CIO التي يقودها اليسار، بقيادة النضال ضد الإمبريالية والعنصرية الأمريكية، بل أنها فازت بأفضل الاتفاقيات وكانت الأكثر ديمقراطية. في الحقيقة لقد قامت بما قال عنه المدير المنظم لنقابة اتحاد العمال الأمريكي ومؤتمر المنظمات الصناعية، واجب النقابات القيام بهِ الآن: “نحنُ في حاجة لتحديد جدول عمل يمتلك إمكانية تغيير حياة الناس”.
 


انتهى،،،


 
للإطلاع على الحلقات السابقة نرجوا الضغط على الرابط


 

http://www.altaqadomi.org/ar-BH/ViewArticle/32/2939/research_and_papers.aspx