في أقل من 7 سنوات تعاقب على وزارة الإعلام أربع وكلاء وزارة بالصلاة على النبي، و8 رؤساء لهيئة الإذاعة والتلفزيون.. و5 وزراء بالتمام والكمال !! ولتستوعبوا الصورة قارنوها مثلاً بفترة ولاية د.مجيد العلوي لوزارة العمل والممتدة لـ8 سنوات وليومنا هذا. ومثلهُ وزير التربية د.ماجد النعيمي الذي صمد متخطياً خمس تعديلات وزاريه.. ويليهم الشيخ أحمد بن محمد الذي سيتم عامه السابع كوزير للمالية، واللهم لا حسد بالطبع، ولا ضرر ولا ضرار، وعيننا باردة عليهم أجمعين ..!!
المفارقة لا تقفُ عند استئثار وزارة الإعلام بلقب “أكثر وزارات الدولة تدويراً” فحسب.. بل في حقيقة أن وزراءها ، وبعيد مغادرتهم للوزارة، لا تُوكل لهم حقائب وزارية جديدة خلافاً لكثيرً من أقرانهم ! ومما يُثبت وصف اللعنة ؛ أن اثنان من وزراء الإعلام المتعاقبين عاصروا إلغاء حقائب وزارية برمتها.. فـد.محمد عبد الغفار كان وزيراً لوزارتي الشئون الخارجية ووزارة الإعلام وألغيت في عهده حقيبة الشئون الخارجية بأكملها وظل محتفظاً بحقيبة الإعلام وحدها حتى ذهبت لخلفه بوكمال. أما الشيخة مي بنت محمد فقد تسلمت وزارة الإعلام والثقافة وشهدت تشطيرها وإلغاء حقيبة وزارة الإعلام التي دُفن اسمها رسميا، ولو أن الكثيرون يرون في تعيين الشيخ فواز آل خليفة رئيساً “لهيئة شئون الإعلام بدرجة وزير” هو التفاف غير مفهوم على مسمى وزير الإعلام..!!
والحق أن تحويل إدارة الثقافة لوزارة وإناطتها بالشيخة مي كان قراراً حكيماً تأخر طويلاً.. فالشيخة مي طاقة فذة ومحرك عبقري لعجلة الثقافة ولكن مسئوليتي الإعلام والسياحة كانتا ” أوسع” من قدراتها بكثير. ولطالما قلت، وأنا أسألُ عن تقييمي لأدائها كوزيرة إعلام أنها ظُلمت وظَلمت.. ظُلمت لما سُلمت مسئولية لا خلاق لها بها أشغلتها عن شغفها ونداءها الحقيقي في الحياة. وظًلمت لأنها تصرفت وكأنها خُلقت لهذا المنصب !!
***
فما هو سر لعنة وزارة الإعلام يا ترى؟
أولاً أنها لطالما عُهد بها لغير أهلها، فعدا نبيل الحمر الذي جاء من محراب صاحبة الجلالة، أوكلت المهمة لتجار وباحثين وأكاديميين ورياضيين مؤخرا !! وشخصيا لم أسمع يوما بمقاول عُين وزيراً للصحة أو فناناً سُلم حقيبة التربية.. ولكن النظرة المرتبكة للإعلام كتخصص دقيق، هو اليوم من أهم الصناعات في العالم ، لم تتبلور بعد على ما يبدو. وتبعات ذلك تُرى في الوزارة بشكل صارخ: فهناك رئيس برامج بكادر مخرج.. وسكرتارية يعملون كرؤساء مكتبة تلفزيون..وفني الصوت يعمل كمصور.. والمونتير يعمل كمخرج..ومنسقو برامج بكادر تصوير و ” فجج عاد ” !!
إلى ذلك فكل من دخلوا الوزارة تقريبا أداروها بعقلية الرقيب التي انتهت صلاحيتها منذ عشرين عاما، الرقيب الذي يمسك بخناق التلفزيون ويدسّ كوعه في خاصرة الصحافة. لذا نهضت كل تلفزيونات المنطقة وأصبحت تُشاهد بإمتداد الوطن العربي فيما ظل تلفزيوننا محلياً يترنح مخموراً بعنجهيته وقصور رؤيته للمنافسة وأدواتها. مؤخراً فقط شرعت شاشتنا بمحاكاة الفضائيات التجارية وتعاقدت مع ” خبراء عالميين” وضُخت أموال طائلة صار تلفزيوننا الوطني بفضلها أشبه بالغراب الذي قلد مشية الحمامة، فلا هو بقى غراباً.. ولا هو صار حمامة.. !!
فما فائدة تغيير الديكورات والأزياء إن كانت القضايا المطروحة هي ذاتها.. بالزاوية الأحادية ذاتها..!! ما جدوى التقليد المتصنع للآخرين إن كانت وجوه الضيوف وأطروحاتهم تتكرر بشكل مثير للضجر..!! إننا غير قادرين على منافسة الفضائيات في ضخامة إنتاجها وبريقه. ولكننا نستطيع خطف عين المشاهد المحلي بطرح قضاياه والتقاطع مع همومه. وليسأل المعنيين أنفسهم كيف استطاعت قنوات خليجية تبث من شقق ” كقناة العدالة الكويتية” أن تستقطب مشاهدين حول الخليج لا تعنيهم جُل القضايا المطروحة فيها لازال تلفزيوننا – رغم توالي عمليات السمكرة – عاجزاً عن استقطاب أبناء الوطن أنفسهم !!
أننا شعب مثقف، شبّ على الطوق والتنظير وأسلوب ” با بي بو بطة ” ونريد إعلاماً يواكب أفكارنا وثقافتنا ويعكس ذائقتنا وهواجسنا وتماوجات مجتمعنا ويفند أسألتنا بجدية.. ونحن نملك الطاقات ، حتى ضمن الجهاز القائم، ولكن المحسوبيات والحسابات واشتباكات المصالح، جعلت البقاء والدعم يتوجه -لا للأفضل- بل للأكثر قرباً ونفوذا !!
ولا نعرف لأي مدى نستطيع أن نراهن على ما سينجزه الشيخ فواز، كوزير للإعلام بمسمى رئيس هيئة، من تغيير. ولكننا سنشبك أصابعنا ونتمنى..نتمنى أن يتلافى أخطاء سابقيه الذين تكبروا على الإعلاميين ودخلوا مهنة شائكة كالإعلام بخيلاء لم تنفعهم ولم تنفعنا.!!
ونتمنى عليه – أيضاً- أن يتجاوز أخطاءه – هو- كمسئول عن قطاع الرياضة طيلة 10 سنوات. فلا يُقرب خاصته، ولا يُوزع المواقع بناء على علاقات شخصية ولا يكسرُ شوكة المتخصصين والموهوبين بزرع أناس في غير مواقعهم مُعلياً تقسيمات وحسابات لا ينهض معها عمل جاد فما بالكم بعمل إبداعي قائم على الخّلق والابتكار.. ونوصيه خيراً بالكفاءات البحرينية: الله الله بالمغبونين والمضطهدين من الطاقات البحرينية التي تبحث عن من يفجرها..
نتمنى للشيخ فواز التوفيق كما تمنيناه لسالفيه، ونأمل أن لا يخذلنا كما خذلنا.. سالفيه !!
حرر في 18- أغسطس- 2010