خلصنا يوم أمس في ضوء تحليلنا لجذور النزعات العنصرية ضد الامريكيين السود من أصل افريقي في المجتمع والدولة داخل الولايات المتحدة إلى التساؤل عما إذا يملك الرئيس الامريكي ذو الاصل الافريقي ارادة حقيقية ورغبة جادة في ان يقطع شوطا أكبر من اجتثاث السياسات والممارسات العنصرية ازاء المواطنين السود ويقف بذلك على الضد من توجهات المؤسسة الطبقية البيضاء الحاكمة التي أوصلته الى سدة الحكم في البيت الابيض ويدين لها بهذا الوصول؟
في الواقع ان الرئيس أوباما نفسه يعي جيداً محدودية قدراته في احداث هذا التغيير ولا تعتريه أي أوهام بخلاف ذلك، ففي كثير من المواقف لم يتردد في القول “انه من السذاجة ان يتخيل احد ان انتخاب اول رئيس امريكي من اصول افريقية يكفي لجعل البلاد فردوس الانسجام العرقي”.
لكن هذا التوضيح لتبرير استمرار الممارسات العنصرية ينطوي على قدر من التهرب عن مواجهة الاستحقاق في مواجهة السياسات والممارسات العنصرية في المجتمع والدولة فما لا يدرك جله لا يترك كله، فأوباما يعلم جيداً ان لا أحد من سواد الشعب الامريكي الذي يمقت العنصرية بين مكوناته يطالبه بأن يقوم بقفزة جذرية لتحويل المجتمع الامريكي بزاوية 180 درجة بين عشية وضحاها الى فردوس من الانسجام العرقي على حد تعبيره، لكن بامكانه لو تملك شيئاً من الشجاعة وعدم التردد ان يحقق انجازاً افضل من اسلافه في وضع حد للممارسات العنصرية، فلا يعقل ان تكون انجازات بعض اسلافه من الرؤساء البيض في هذا المجال أفضل منه وهو الرئيس الاسود الذي يفترض الاكثر وعياً واختباراً ومعاناة في الممارسات العنصرية.
ولنتذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر ان اعلان تحرير العبيد الذي يمنح الحرية للعبيد في المناطق الخاضعة لسلطة الاتحاد الفيدرالي جرى على يد الرئيس الابيض ابراهام لنكولن عام 1862م، وان توقيع قانون الحقوق المدنية الذي يحظر التمييز في الاماكن العامة على أساس العنصر او اللون جرى على يد الرئيس جونسون عام 1964م.
ومع ان الخطوات التي تم احرازها على أيدي عدد من الرؤساء البيض لاجتثاث وتطهير النزعات العنصرية من المجتمع الامريكي انما يعود الفضل الأساسي فيها لنضالات السود وكفاحهم من أجل المساواة التامة في المواطنة مع مواطنيهم البيض وبمشاركة سائر الديمقراطيين البيض الا ان تصديق هؤلاء الرؤساء وتسهيلهم تمرير الخطوات المتحققة رسميا يحسبان لهم ويعدان علامة من العلامات المضيئة في عهودهم، وهذا ما يتعشم كل السود والقوى الديمقراطية في اول رئيس اسود تحقيقه اذا ما تحلى بقليل من الارادة والتصميم الجاد على تحقيق تطلعات مواطنيه السود وسائر المواطنين الديمقراطيين من مختلف الفئات والعرقيات.
لكن للأسف فإن أي تقييم موضوعي لأداء ومواقف الرئيس اوباما في هذا الملف بعد مرور اكثر من عام ونصف العام على توليه الحكم لا يصب في صالحه وذلك بالنظر الى ما يطغى على سياساته ومواقفه من تذبذب وتردد يعكسان ضعف شخصيته القيادية، وهو الضعف الذي يحاول أوباما تجميله بالعبارات المعسولة الطنانة وبخطاباته المفوهة البليغة ذات الشعارات الرنانة الخاوية المضمون.
وقد تجلى هذا الفشل في مواقف عديدة منذ تسلمه السلطة في البيت الابيض، ومن ذلك ما حدث خلال شهر يوليو الماضي على اثر قيام وزير الزراعة توم فيلساك بفصل موظفة سوداء تدعى شيرلي شيرود صرحت بأنها كانت تتعمد عدم صرف تعويضات مستحقة لعائلة بيضاء انتقاما لتجارة الرقيق واضطهاد السود لكنها سرعان ما تداركت خطأها لاحقاً ولم تعد تفرق بين البيض والسود، لكن وسائل الاعلام اليمينية استغلت تصريحها لتبرز ما اكدته عن نياتها الانتقامية واخفت ما ذكرته عن تراجعها عن هذه السياسة، وتبين ان اوباما انطلت عليه الاكذوبة الاعلامية اليمينية البيضاء فحض وزير الزراعة على فصلها ثم اعتذر إليها بعدما ادرك تشويه تصريحها وطلب إلى وزيره الاعتذار إليها أيضاً.
اما الموقف الآخر الذي يعكس زئبقية وتذبذب اوباما من اتخاذ مواقف حازمة ازاء الممارسات العنصرية تجاه مواطنيه من بني عرقه الاسود فقد تجلى خلال العام الماضي بعد شهور قليلة من وصوله الى البيت الابيض عندما اكتفى في رد فعله على اعتقال شرطة كامبريدج بولاية ماساتشوستس صديقه الاسود الاستاذ الجامعي هنري لويس تحت دوافع عنصرية “ان الشرطة تصرفت بغباء”، هذا بخلاف مواقف اخرى عديدة شبيهة.
وبسبب هذه المواقف غير الحازمة او الخجول التي ابداها الرئيس اوباما ازاء الممارسات العنصرية تجاه بني عرقه لم يتوان العديد من رموز السود وممثليهم عن اتهامه بأنه يتودد للبيض ليضمن ترشيحه إلى ولاية ثانية قادمة ليضمن حصوله على اصواتهم.
والحال ان هوية المرء العرقية لم تكن ولن تكون بأي حال من الاحوال كافية في حد ذاتها لتحصينه ضد نزواته ومصالحه السياسية والطبقية فلطالما خان ابناء الاعراق حقوق ومصالح اعراقهم وابناء القوميات قومياتهم وابناء الطبقات طبقاتهم تحت تأثير إغراء المال أو الجاه أو السلطة.
صحيفة اخبار الخليج
18 اغسطس 2010