لن يكون تعسفاً وصف غازي القصيبي، الشاعر والأديب والدبلوماسي والوزير، بأنه بحريني بمقدار ما كان سعودياً. انه شخصية اشتبكت فيها الملامح بين ما هو بحريني وما هو سعودي، وليس عبثاً أن الدارسين للمشهد الشعري البحريني بين الستينات والسبعينات من القرن الماضي أدرجوا اسم غازي القصيبي بصفته أحد الأصوات في الحركة الشعرية البحرينية، كون موهبته بدأت في الإفصاح عن نفسها فترة فتوة وشباب الشاعر التي قضاها في البحرين تلميذاً في مدارسها، معايشاً لحالة الحداثة، في معناها الاجتماعي والثقافي الشامل، التي شهدتها البحرين يومذاك.
حين اتجه غازي القصيبي إلى كتابة الرواية بدءاً من تجربته الأولى في: «شقة الحرية» فان البحرين كانت حاضرة من خلال شخوص الرواية، بمن فيهم الراوي نفسه، الذين كانوا مجموعة من الشبان البحرينيين يتركون المنامة للتو متوجهين للدراسة في القاهرة الناصرية، يومها، حيث الحركة الطلابية التي كانت تعج بالتيارات السياسية والحزبية.
«شقة الحرية» بهذا المعنى كانت تتناول حقبة من التاريخ السياسي العربي المعاصر، بكل ما له وعليه، من نجاحات واخفاقات، وهي بالتالي قدمت غازي القصيبي الأديب الذي تخطى في اهتماماته الشأن المحلي أو الخليجي، إلى الإطار العربي الأشمل.
تتالت أعمال غازي الروائية، إضافة بالطبع إلى كتابته الراقية للمقال الصحافي بلغة عرفت بجزالتها وخفة ظلها، تنم عن ثقافة واطلاع واسعين، وهذه ميزة جيل ينتمي إليه القصيبي، وكان هو أحد تجلياته البارزة، في إمساكه بجناحي الثقافة العربية والأجنبية، وكان لهذا التأسيس الثقافي المتين دوره في مجمل الانتاج الأدبي للقصيبي، الذي يمكن أن نعده واحداً من أكثر محبي المتنبي وحفاظ شعره والممسكين بجواهره التي لا تبلى مع مرور الزمن إنما تزداد تألقاً، وما يقال عن اطلاعه على المتنبي يمكن أن يقال عن اطلاعه على الشعر الكلاسيكي العربي عامة.
موهبة القصيبي الأدبية ظلت تفصح عن نفسها رغم انشغالاته الأخرى، الدبلوماسية والوظيفية، كونه تقلد أكثرمن حقيبة وزارية في بلاده، هو الذي عرف بمهاراته الإدارية المشهود لها، والتي تجلت بالمناسبة في بعض كتاباته عن الإدارة.
يبقى أن غازي القصيبي صوتاً جريئاً للحداثة والتقدم، مقاوماً للتزمت والتحجر ورافضاً لمناخ التغريب عن العصر، وهو ما أدخله في معارك حامية الوطيس مع القوى المحافظة التي تريد أن تكبح المسار الموضوعي نحو التقدم الذي يشق طريقه رغم كل الكوابح التي تحاول إعاقته، ولكن مآل الأمور يؤكد أن الجديد ينتصر في نهاية المطاف.
حسناً فعلت الجهات المختصة في المملكة العربية السعودية حين سمحت بتداول مؤلفات القصيبي، ورغم أن هذه الخطوة جاءت متأخرة، ألا أنها صححت وضعاً خاطئاً لا يصح أن يستمر، فرجال مبدعون من وزن غازي القصيبي هم ثروة للوطن يتباهى بهم أمام العالم، وهم ملك للحاضر مثلما هم ملك للمستقبل وأجياله، التي سترى في كتبه شاهداً على زمن من التحولات، كان على قوى الحداثة، من مواقعها المختلفة، في الثقافة وفي الجهاز الإداري وفي الأوساط الأكاديمية وفي المجتمع عامة، أن تخوض معركة المستقبل، مفعمة بالثقة في مقدرتها على أن تكسبها في نهاية المطاف.
صحيفة الايام
18 اغسطس 2010