منهجنا يقول بأن مصدر التناقض في أي مجتمع، هو مصدر اجتماعي ذو صلة بتوزيع الثروة على المواطنين بروح العدل والمساواة، حيث إن هذه الثروة حق عام للمجتمع كله، ومن حق أفراد هذا المجتمع الانتفاع بها بشكلٍ يؤمن لهم الحياة الكريمة . لذا فان التأكيد على فكرة المواطنة مدخل صائب للتصدي لقضايا المجتمع ومعضلاته.
مسؤولية الدولة في تثبيت هذه الفكرة وتطبيقها على أرض الواقع مسؤولية حاسمة، بصفتها الجهة المعنية بالرعاية الاجتماعية وضمان حقوق المواطنين، وإشاعة ثقافة المواطنة المتكافئة، وسيظل حقاً وواجباً على القوى المجتمعية والسياسية المعنية أن تواصل عملها لحمل الدولة على تخطي جوانب الإخلال بهذا المبدأ، في أي صورة من الصور تبدت.
وكلما تحسن أداء الدولة في هذا المجال، وزادت استجابتها لأشكال الرقابة البرلمانية والشعبية، ومناشدات هيئات المجتمع المدني، كلما أسهمت في تعزيز مناخ الثقة في المجتمع، وإزالة العوامل المساعدة على أوجه الاحتقان الاجتماعي، التي يجب احتواؤها بما يعود بالنفع على التنمية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسلم الأهلي.
لكن للأسف الشديد فان الطائفية، وعياً وسلوكاً، باتت في ظروف اليوم ممارسة مجتمعية أيضاً تتورط فيها جمعيات سياسية وصناديق خيرية ومنابر دينية وصحافية ومواقع الكترونية .
عندما كانت تياراتنا الوطنية والديمقراطية في صدارة المشهد السياسي نجحت في خلق وعي وطني عميق لدى منتسبيها وأنصارها وجمهورها، عمت تأثيراته على المجتمع، وفي أصعب الظروف استطاعت هذه التيارات أن تُبقي جذوة الأمل حيةً في القلوب والعقول بالمستقبل الموحد للشعب .
لكن مجمل التطورات الموضوعية التي شهدناها في السنوات الأخيرة خاصة، والناجمة عن تحولات محلية وعن تأثيرات إقليمية حاسمة في المحيط المجاور لنا، الذي هبت علينا بعض رياحه المسمومة أدت إلى شيوع الخطاب الطائفي البغيض، وصار يمارس تأثيره على عامة الناس.
فلم تعد المسألة مواجهة الاستحقاقات الوطنية الجامعة، وإنما التعبير عن مصالح الطائفة، مما ولدّ مفاهيم ومفردات جديدة من نوع المظلومية أو المحاباة، وهي تعبيرات حين تُطلق فان التفكير ينصرف نحو الطوائف لا نحو المجتمع كاملاً . هذا الخطاب الطائفي غالباً ما اقترن بدرجة من السطحية السياسية والابتذال التي نطالع نماذج لها على بعض المواقع الالكترونية وفي بعض خطب المنابر الدينية، وفي بعض الفعاليات الاحتجاجية التي لا تأخذ طابع الدفاع عن حقوق الناس، وإنما الانتصار للطائفة ورموزها .
هناك ما يحملنا على القلق من آثار مثل هذه التطورات على مستقبل الوضع السياسي في البلد، ونقول ذلك من موقع الحرص الشديد على صون ما حققناه بفضل المشروع الإصلاحي من مقادير للحريات جديرة بأن نعض عليها بالنواجذ، لأننا نعرف من واقع تجربتنا في العمل السياسي أهمية ذلك بعد الذي عانته البلد في مرحلة قانون أمن الدولة.
وهي مناسبة لأن نكرر ما قلناه كثيراً ومراراً حول ضرورة ترشيد الخطاب السياسي في البلد وعقلنته ليكون خطاباً مسؤولاً، يتوجه نحو الجوهري من الأمور، حيت تغدو الجمعيات السياسية معنية ليس فقط بأن تقوم بدور الرقيب لأداء السلطة التنفيذية ونقد ومعارضة أوجه الخلل والتقصير والفساد في أدائها، وإنما أيضاً تقديم البديل المقنع على شكل برامج اجتماعية واقتصادية وسواها، وهي أمور لن تنجزها الخطابة الثورية وما يندرج تحتها من أشكال تحريض لفظية.
صحيفة الايام
16 اغسطس 2010