يدورُ شبحُ سؤالِ في أذهانِ العوامِ والمثقفين، على السواء.. حولَ البديلِ “الاسلامي” القادم ؟! … والغريبُ أن جُلّ القُوى المُسَمّية بالطليعية واليسارية والراديكالية وحتى القومية، غير مُستَشعرة بخطورة ” الاسلام السياسي” الزاحف للتسلّط .. والقادم لكنس الإستبداد الشرقي العربي المعاصر وتشييد “جنة الله” الموعودة على الأرض العربية وغير العربية وإحقاق الحق للمواطن المسلم، بدحر الكفار الصليبيين من ديار الاسلام وطرد الصهاينة من أرض فلسطين المقدسة ( كوقف اسلامي)!.. بل أضحت القوى السياسية، الراديكالية منها والقومية، مركونة لتطلعات قوى الاسلام السياسي مادامت هذه الأخيرة رافعة شعار “مقاومة” الخطط الامبريالية والصهيونية!.. وباتت تلك القوى الغافلة، غير مبالية بالهول الأعظم إن سيطر الاسلاميون على الحكم في المنطقة، نكايةً بالأنظمة الرجعية المحلية من جهة وخطط الصهيو-امبريالية الخارجية من جهة اخرى!…والسؤال الآن: ما هو الأفضل ؟!.. وجوابنا أدناه :
بلا شكّ ..أن البديلَ الاسلامي للحكمِ في أي بلدٍ عربي- محكومٌ بالنظام الاستبدادي الحالي- يكون بديلاً اسوأ من الظلمِ والعسفِ الحاليَّين و إختياراً أردأً ! وذلك كون المنظومة العربية الحاكمة أهون الشرّين ، مقارنة بالاسلام السياسي -” الاسلاميزم”- الذي هو اسوأ الشرّين ! هذا بالرغم من أنهما وجهان لعملةٍ واحدة،، كلٌ ( حاضنٍ) يعيد إنتاجَ نفسهِ والآخرِ ( حامٍ ) في نفس الوقت، في لعبةٍ شيطانيةٍ –سرطانية- مستمرة ! … مادامت القُوى ذات المصلحة في التغير الجذري بالعةٌ للطُّعمِ، بشكلٍ عجيبٍ و أنموذجيّ .. من تهميشٍ وتشظىٍ وتفرقةٍ وفقدانٍ للبصرِ والبصيرة. بل الركون إلى أوهامٍ من أفكارٍ غريبةٍ، منهاجٍ مسطّحٍ وتشبُّثٍ عنيدٍ في البحثِ عن الخلاصِ، بسبيلينِ خاطئينِ.. هما الاستسلام لفكرينِ أو نهجينِ مدمّرين: الغيبيّ الاسلامي “المقاوم” او التشطّح القومي العاطفي “المكابر” ؟؟؟ وكلاهما معانِدٌ لا مقاوِم، مناطِحٌ لامناضِل !..
تستدعي الضرورةُ الماسّة والحياتية للعرب سلك تفكيرٍ أونهجٍ آخر، بإمكانه قراءة الوضعِ والواقعِ العربي المُركّبِ والملتبسِ بشكلٍ أفضل. واستنتاج حلولِ ممكنةِ التحقيق ( ليست حلولاً مستحيلة )، انطلاقاً من ميزان القوى الموضوعي والظرف الذاتي المتوفر- على الارض وليس في السماء اوالمُخيّلة الرّغَباتيّة – بجانب المعرفة العلمية العميقة للظروف الخاصة والاستثنائية للمنطقة العربية. وضرورة الاستفادة من محصّلة القوي المحلية والاقليمية وحتى الدولية المؤثّرة ( ما يسمى بالضغط الغربي من أجل دَمَقْرطة المؤسسات العتيقة المعيقة للعولمة الرأسمالية) في التغير والتقدم المنشودين، بُغية تأسيس حكمٍ مؤسساتي دستوري ديمقراطي قانوني، في كلِّ بلدٍ عربي، وأولوية حقوق المواطن الاساسية، على رأسها حرية الرأي والتعبير– بما فيها حرية الفكر والعقيدة والتدّين وعدمه – وتسييد المواطنة الفعلية وحكم القانون المدني.. بحيث تُعتبر المرامي المذكورة كلها مهمة المهمات- في كل الظروف- بل أهم من أي هدف شعاراتي آخر…( المقاومة العبثية والتصدي الأرعن ضد الامبريالية والصهيونية وتبريرات التسلط والديكتاتورية والاستبداد من أجل ما تسمى المصلحة القومية العليا ! ..الخ المعزوفات والعنتريات..!).. كل ذلك يجب أن يأتي تحت شعار عام وواضح: “فصل الدين عن الدولة” أو أكثر دقة : ” فصل المؤسسة الدينية عن المؤسسة المدنية للدولة”. وهذا تتطلب ضرورة مشاركة كل القوي الاجتماعية والسياسية العصرية والحديثة- لتشييد هذا المشروع الوحيد والممكن- المتكونة من عمال وفلاحين وكسبة وبرجوازين صغار والطبقة الوسطى وحتى البرجوازية الكبيرة الوطنية ذي النزعة التصنيعية والانتاجية (بدون مشاركة هذه الأخيرة لايمكن منهجيا الحديث عن الديمقراطية ودولة المؤسسات!)، وذلك لتهميش وتعطيل أنشطة غول القوى المضادة والمعيقة لتقدم العرب : سواء الرأسمالية الطفيلية، البيروقراطية والكمبرادورية أو بقايا الاقطاع – المادي والثقافي – من ملاّكين وعقاريّين ومُضاربين من أصحاب الربح السريع،،هذا هو الطريق في تجاوز الحال- ليس بدربِ المُحال- ولكن لحالٍ عصريةٍ، إنتقاليةٍ فضلى !.
.. هذه هي سِمَة مهام مرحلتنا الحالية، التي يمكن أن نطلق عليها: سِفر الانتقال من تسلّط السلطة – القبلية والعائلية – إلى “تسلّط” الدولة الوطنية الواحدة .. من حكم أمراء الطوائف المستبدِّة إلى تأسيس الدولة الحاضنة للمواطنة الشاملة.. أي حسب المصطلح السياسي : أولوية تشييد دولة المؤسسات والقانون، التي لا تعبّر إلا عن مرحلة تاريخية تراكمية، موضوعية وضرورية.. وهو مشروع ليبرالي برجوازي وطني في الأساس، حيث يُسحب البساط تدريجياً، بتؤدة ونشاط من تحت أقدام الخصمين : سلطة الاستبداد السياسي العربي المادية، وسلطة الموروث الثقافي المعنوي الإقطاعوي الديني الطائفي المذهبي– ما قبل الحُداثي الرأسمالي- وبذلك سوف تُسلك السّكّة لتفاعلٍ وحراكٍ اجتماعي عارم، تستطيع فيها القوى التقدمية من التنمية بشكل أفضل ومن بسط برنامجها المستقبلي بشكل أضمن!… فمتى تستفيق قوى الحداثة والتقدم والتغيير العربية من سِنَتِها وتستبدل أوهامها بسِفرٍ جديد ؟!
للإطلاع على التعليقات حول الموضوع نرجوا الضغط على الرابط