منذ أربعة أعوام، غداة الانتخابات النيابية والبلدية السابقة تحدثنا في هذا المكان عن تجربة مجلس النواب خلال الفصل التشريعي الأسبق، لننطلق من هذا التقييم في رسم الآمال من المجلس القادم، الذي أصبح بدوره سابقاً اليوم، ونحن في انتظار المجلس الجديد الذي ستتضح صورته النهائية بعد نحو شهرين أو ثلاثة من اليوم.
أذكر التقييم السلبي الذي قدمناه حينها لأداء المجلس الأسبق، تمييزاً له عن السابق، الذي جاء في الكثير من أوجهه مخيبا للآمال، بحيث أن المجلس الذي كان يفترض فيه أن يكون رقيباً ومُحاسبا للسلطة التنفيذية على أدائها، كما يليق بأي سلطة تشريعية ورقابية منتخبة أن تفعل، مرر العديد من التشريعات التي مست من جوهر الحريات، ألا أننا سعينا للقول أن علينا البحث في الظروف المعقدة التي أحاطت بعمل المجلس، في ظل ما بتنا نعرفه ونكرره عن الحاجة لتوسيع الصلاحيات المتاحة لسلطتنا التشريعية.
كما سعينا للقول إن المجلس الأول عانى من التركيبة غير الملائمة بسبب إفرازات عملية المقاطعة في أول انتخابات التي حرمت قطاعات شعبية واسعة من أن توصل ممثلين لها للمجلس، وهي خدمة مجانية قدمت للسلطة التنفيذية، لذلك فإن الكثير مما كانت السلطة التنفيذية ترغب فيه قد تم لها بسهولة ويسر.
صرف الأعضاء الكثير من الوقت في مناقشات عقيمة، فكان يكفي لقصف على الفلوجة أو انفجار في النجف في العراق أن يشعلا أتون جدل، لا بل ومواجهة طائفية ومذهبية، ينشغل بها النواب لأسابيع عن أداء ما هو ملقى على عاتقهم من مهام في التشريع والرقابة، وكان يمكن لحفلة غنائية لمطربة أن تحتل صدارة الأحداث في البلد، لأن مجلس النواب قرر أن يجعل من منعها قضيته المركزية، فلا يعود بوسعنا رؤية القضايا الكبرى التي تمس مصالح الناس وتتصل بجوهر عملية البناء الديمقراطي التي يجب على النواب أن يكون دعاة لها وعاملين من أجلها.
وقتها، منذ أربع سنوات، في مناخ مشابه لمناخ اليوم حيث الاستعدادات على أشدها للانتخابات الوشيكة القادمة، آملنا أن يكون المجلس الثاني أحسن حالاً من سابقه، خاصة بعد أن تأمنت مشاركة جزء رئيسي من المعارضة فيه، وليست هذه العجالة مكان تقييم أداء المجلس الذي انتهت ولايته تواً، ولكن ما يمكن قوله، انه بصرف النظر عن أهمية بعض الملفات التي طرحها نواب المجلس الأخير، ولعل في مقدمتها ملف أملاك الدولة.
إلا أن المجلس أخفق في الأمر الأساس وهو أن يشكل بديلاً لسابقه في تجاوز حالة الانقسام الطائفي التي طغت على الغالب الأعم من طريقة تناوله للملفات، ولم يستطع النواب أن يشكلوا رافعة استنهاضية للوحدة الوطنية، بل على العكس أدت شجاراتهم إلى تسميم الشارع بالمزيد من أهواء الفرقة والانقسام.
وبتجرد موضوعي نقول إن وجود كتلة النواب الديمقراطيين على قلة أعضائها في المجلس الأول، وهي الكتلة الوحيدة المختلطة التي لم تقتصر على لون مذهبي بعينه، أعطت مثالاً طيباً على روح التعاطي الوطني مع أشد الملفات تعقيداً، دون أن يجرؤ أحد على الزعم بأن هذه الملفات تخص طائفة بعينها، وهذا أمر سنعود لطرقه في حديث لاحق.
صحيفة الايام
12 اغسطس 2010