المنشور

معارضتنا الوطنية وتساؤلات الناس!!

كقوى وطنية تتحمل مسؤولياتها بأمانة وتحترم تاريخها الناجز وتتمسك بثوابتها بصدق، أين تكمن مسؤولياتنا في انتزاع دورنا الذي يراد له أن يكون مصادرا وغائبا على الدوام حتى تستكمل القوى المهيمنة بسطوتها وفوقيتها مشروعها المضاد لحركة التاريخ والزمن، بل كيف لنا أن نحافظ بهكذا حال وتمزق على مكتسباتنا الحضارية وتاريخنا الوطني، والتصدي لمهام عملنا الوطني بثبات وقدرة لا تهزها أو تغويها دعاوى التخوين الرائجة والسهلة هذه الأيام؟! وهل باستطاعتنا أن نبقي للناس أملا بغد أفضل ومعارضة مسؤولة تعرف أدوارها وتتعاطى بحنكة ودراية مع متغيرات المشهد وتقلبات الأمزجة؟ وهل فات الوقت فعلا حتى نستطيع أن نصغي لبعضنا كقوى وطنية معارضة، عليها أن تتحمل تبعات قراراتها المصيرية في فترات التحول السياسي المشحونة بالتحديات والمصاعب، أم علينا أن نجد ضالتنا في حكمة مفتقدة لازلنا نراهن على تأصلها في إخلاص ورشد المعارضين من الساسة والنخب حتى نُبقي للعمل المعارض المسؤول زخمه وألقه المفتقد في ظل ما تموج به الساحة من تشوهات وزيف وخواء؟!
تلك أسئلة تترى لازالت تشغل حيزا مهما من فكر وهواجس المخلصين ممن يرون حتمية بلوغ قناعات لازالت مشتتة ومتباعدة بفعل عوادي الزمن «الأغبر» الذي بات يلح علينا بالعودة مجددا إلى حيث يحتاجنا الوطن وينشدنا الناس رغم جبل المصاعب من حولنا. وكقوى وطنية تمتلك إرثا نضاليا وتجارب غنية يفتقدها من يتصدرون المشهد وتجلياته، هل باستطاعتنا أن نمتلك الحكمة ونتعلم من قدرة أولئك الرجال الأفذاذ عندما طوعوها في أزمنة ملآى بالخوف والقلق والظلمة لصالح الناس والوطن؟! أم علينا أن نساير طبائع الغرور والتيه والدوران إلى ما لا نهاية في شراك التوجس المصطنع واستنطاق الماضي وأمراضه حتى الثمالة، والخوف من الآخر واصطناع الضغائن واختلاق دوافع للتنافر تغنينا عن أي عمل حقيقي ينتظره الناس من قبل قواها الحية القادرة وحدها على أن تعيد للمشهد حضوره وللزمن نضارته وان تكتب سطرا جديدا بعد أن توقف الزمن وتجمد الفكر وانتفت ضروراته، وضاعت الرؤية وتفتت قوى كانت قادرة أن تكون وعاء حاضنا للجميع دون نوازع طائفية أو اقصائية، لتذبل معها بذور أمل سقيناها معا بتعب السنين وبرودة المنافي وضنك العيش وعذابات السجون!
ترى هل من أمل لنا في أن نُبقي جسدنا المعارض منسجما بعض الشيء في ظل ما تبقى لنا من خيارات في مواجهة حجم التحديات المعاشة والمتوقع تفاقمها خلال الشهور والسنوات القادمة؟! وهل علينا أن نعي أننا وقد بتنا الحصن الأخير للدفاع عن المكتسبات، فان مسؤولياتنا حتما ستتعاظم وعلينا بالتالي أن نبتدع الحلول ونقدم البدائل القادرة على النأي بشعبنا بعيدا عن نزعات الفرقة والتشرذم والانقسام؟ وأين تكمن مسؤوليتنا كقوى وطنية وديمقراطية وأين تتماهى معها أو تبرز مسؤولية الشارع والنخب من كل ما يجري؟ باختصار كيف لنا أن نصوغ معا وعيا مغايرا ينحو باتجاه الوطن وقضايا الناس بعيدا عن تمايزات الطوائف وزعاماتها؟
وثمة سؤال آخر يزاحم ما سبقه من تساؤلات.. أليس أجدى وأكثر نفعا لقوانا السياسية المعارضة أن لا تدير ظهرها باستمرار إلى شارعها ومناشداته المستمرة في الالتحام ووضوح الهدف والتوجهات؟ خاصة وهو يتابع بمرارة ضياع العديد من المكتسبات، علاوة على إهمال الكثير من الملفات، فالأراضي والبحار والأملاك والمال العام وقضايا الإسكان والقضايا الحقوقية والمعيشية الأخرى، باتت جميعها تحتاج منا إلى وقفة، بل الى وقفات لا تقبل التوظيف الخاطئ أو ابتسار الحلول، وهناك قضايا البيئة والشواطئ والبحار والثروات المضّيعة، فإنها تستصرخنا العودة إلى المنطق والدفاع بشجاعة ومسؤولية دون التفريط في المكتسبات، التي عجزت عدمية الكتل المتصارعة عن إدارتها، وما زاد عجزها عجزاً هو تلك الانقسامات المجتمعية التي نجح أمراء الطوائف في تلويث عقدنا ونسيجنا الاجتماعي بها وهي مرشحة للاستمرار لسنوات أربع قادمة فنخسر ما لدينا من مكتسبات.
تلك، وغيرها تساؤلات تطرحها مجالسنا وتجمعاتنا وندواتنا، وأبناء شعبنا مجاميع وأفراد، نخب وعامة الناس في البحرين من أقصاها إلى أقصاها لكنها تبقى في انتظار مرير للإجابة عليها، رغم أنها لا تحتمل التأجيل أكثر مما هي مؤجلة، في ظل هذا الجو المشحون بالكراهية والطائفية ومصادرة عقول الناس وإراداتهم، دون التمعن ولو قليلا في الماضي وتحقيق قراءة حكيمة للقادم من الأيام بدلا من استسهال التفرد في القرار ومسايرة الغرور ونوازع الاستحواذ إلى حيث يكمن السقوط.
 
صحيفة الايام
11 اغسطس 2010