أنهى ميثاق العمل الوطني عهدا كانت الناس تساق فيه إلى السجون والمعتقلات بسبب آرائها ومواقفها السياسية، وتتعرض للتعذيب الجسدي والمعنوي، وكانت المنافي تستقبل العشرات من النشطاء السياسيين، أما الحياة النيابية فمعطلة والدستور موجود لكن مع وقف التنفيذ، واحدث الميثاق حالةً من الحراك السياسي والاجتماعي النشط، وتفاعلا غير مسبوق مع القضايا السياسية، وتشكلت الجمعيات السياسية وسواها من مؤسسات المجتمع المدني والنقابات وجمعيات جديدة للنساء والشباب، وشهدت البلاد فعاليات جماهيرية كبرى، وصدرت صحف جديدة، ومن بين هذه التطورات الايجابية يبرز إلغاء قانون ومحكمة أمن الدولة، وعودة الحياة النيابية التي عطلت نحو ثلاثة عقود.
في كلمات نشأ وضع ايجابي عام في البلد، وما أشرنا إليه أعلاه هي مكتسبات يجب الحفاظ عليها والتمسك بها، والعمل الدؤوب دون أي عودة عنها في أية صورة من الصور، وهذا لن يتحقق بصورة تلقائية، وإنما من خلال إعادة الزخم، التي يفترض أن تكون عملية مستمرة، تفضي كل مهمة فيه إلى مهمة تالية، فلا يمكن الركون إلى ما تحقق، على أهميته، فكل مكسب عرضة للتآكل إذا تمت المرواحة عنده، هذا أولاً، وثانياً فان الحراك يجب أن يكون عملية متكاملة تغطي الأوجه المختلفة، إذ لا يمكن له أن يتقدم في وجه من الوجوه طالما كانت آليات نقيضة له تعمل في وجه آخر.
هناك ملفات كبرى مازالت بحاجة إلى حل والى بلوغ توافقات بشأنها بين الدولة وبين القوى الاجتماعية والسياسية المختلفة، ويمكن لذلك أن يتم من خلال القنوات الدستورية القائمة، بما فيها مجلس النواب، لإعادة النظر في العديد من التشريعات والقوانين النافدة، والتي تتضمن في الكثير من أحكامها ما يناقض فكرة الإصلاح وجوهره، فكثير من هذه التشريعات وضع في المرحلة السابقة ولم يعد مقبولاً أن يستمر العمل بها دون إعادة نظر في الوضع الجديد، كما إن أحكام بعض التشريعات التي اقرها المجلس الوطني في الفصلين التشريعيين الماضيين ظلت محملة بروح الحذر في التعاطي مع المجتمع المدني، ولا تؤسس لمناخ الثقة المنشود.
والمكاسب، في أي مجتمع، لن يكون منجزها مستمراً إذا لم يقم على أساس الشراكة مع المجتمع المدني، والبحرين ليست استثناء من هذه القاعدة، لا بل إن الأمر عندنا يكتسب أهمية إضافية بالنظر للتراث الحي والتقاليد الراسخة لمؤسسات مجتمعنا المدني وتبلور الحركة السياسية في البلاد منذ وقت مبكر، لذلك فان العلاقة مع المجتمع المدني يجب أن تبنى على قواعد الثقة والحرص على إشراكه في صوغ القرارات المتصلة بعملية البناء الديمقراطي.
والإصلاح السياسي لن يكون محميا إلا بإصلاح اقتصادي جدي، يجب أن يكون موجها نحو تأمين الحماية الاجتماعية للفئات الكادحة، وتوسيع قاعدة الضمانات والخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها، لا ترك آليات اقتصاد السوق تنطلق على حساب الشرائح البسيطة لصالح شرائح اجتماعية جديدة، في غياب المعالجات الحقيقية لمشكلة الفقر وما هو على صلة بها من أزمات البطالة والسكن وسوء الخدمات.
صحيفة الايام
5 اغسطس 2010