عليَّ أن أشرح أولاً أنه سبق لي، في عام 2008 على الأرجح، أن كتبت مقالاً في هذا المكان تحت العنوان أعلاه.
مناسبة ذلك المقال كانت الضجة التي أثارها بعض الساسة في لبنان ضد السيدة فيروز لأنها ذهبت لتغني في الشام بمناسبة اختيار دمشق عاصمة للثقافة العربية، وأستخدم هذا العنوان اليوم في مناسبة الضجة الأخيرة المثارة ضد جارة القمر، جارة قلوبنا وأفئدتنا كلنا.
كتبت في حينها أن فيروز أكبر من أن تأتمر بأمر زعيم سياسي، كائناً من كان هذا الزعيم، أو تكون رهينة مزاج قائد ميليشيا يخرج من حرب ويتهيأ لأخرى، ويريد للجميع، بمن فيهم فيروز، أن يكونوا رهن إشارته، تغني وقت يشاء وتكف عن الغناء وقت لا يشاء، تذهب حيث يريد، ولا تذهب حيث لا يريد.
لا شبه بين تلك الضجة وبين الضجة التي أثارها مؤخراً ورثة الراحل الكبير منصور الرحباني ضد أن تقدم السيدة فيروز مسرحية: «يعيش.. يعيش» في كازينو لبنان إلا في وجه واحد هو أن المطلوب في الحالين ألا تغني فيروز، حين تريد أن تغني، تارة قبل أن تأخذ أذناً من ساسة، وتارة قبل أن تأخذ أذناً من ورثة.
ليس شأننا هنا أن ندخل في تفاصيل الجدل المثار حول الجوانب القانونية في الموضوع، فهو أمر لا نفقه فيه ولا نريد أن نفقه أصلاً، فالأمر حين يتصل بفيروز يتجاوز كل هذه الاعتبارات، فهي بالنسبة للبنانيين جميعاً، وبالنسبة للعرب أجمعين، قيمة فنية وإنسانية مطلقة، لا يمكن أن نخضعها لحسابات الربح والخسارة في معناهما المادي المبتذل.
فيروز أيقونة مقدسة مقامها الإجلال وحده، ولو أن الراحل الكبير منصور الرحباني مازال على قيد الحياة ما كان سيرضى لرفيقة مشوارهما الفني هو وأخوه الراحل الكبير أيضاً عاصي الرحباني، أن تنال كل ما تناله الآن من إساءة، بعد رحلتها الفنية المضنية، وهي المعروفة بترفعها عن الصغائر، وبعدها عن بريق الإعلام وتعففها عن خوض معارك هواة الإثارة.
فيروز هي الضلع الثالث في مثلث المدرسة الرحبانية، ولا يستقيم هذا المثلث بدونها، فما كان لموسيقى وكلمات الأخوين رحباني، بكل عبقريتهما التي لا جدال بشأنها، أن تنال الصيت الذي نالته لولا صوت فيروز، العبقري هو الآخر.
ليس هذا هو «التكريم» الذي استحقته فيروز بعد كل هذا العطاء؟
صحيفة الايام
4 اغسطس 2010