على الرغم من ان الحملات الانتخابية النيابية والبلدية لم تبدأ رسميا بعد حيث حتى الآن لا يعرف عن موعد فتح باب الترشح رسميا ولا عن موعد اجراء الانتخابات فإن سخونة التحركات والتحضيرات الانتخابية آخذة في الارتفاع بارتفاع درجة الحرارة، سواء اجاءت هذه التحركات والتحضيرات من قبل القوى والجمعيات السياسية ام من قبل المستقلين ام من قبل أوساط وجهات تنفيذية في الدولة ام في المجتمع بوجه عام.
وعلى الرغم من المبكر رسم ولو ملامح أولية لمشهد وتضاريس المعركة الانتخابية المقبلة قبل ان يتم فتح باب الترشح رسميا وانطلاق الحملات الدعائية الانتخابية، فإن ثمة بعض الظواهر الاولية والمواقف والتحركات التي يمكن رصدها في المشهد الانتخابي الراهن تسترعي الانتباه وتستدعي التحليل ونستطيع ان نبرز اهمها في الملاحظات الخمس الآتية:
الملاحظة الأولى: ان معظم الذين اعلنوا نيتهم الترشح إلى الانتخابات، ان لم يكن كلهم، انشغلوا من الآن بوعودهم الانتخابية للناخبين وفاتهم انهم بحاجة ملحة إلى الاضطلاع بمسؤولياتهم لاقناع شريحة كبيرة منهم بأهمية المشاركة في العملية الانتخابية وذلك وسط توقعات متزايدة بأن تكون المشاركة القادمة هي ادنى نسبة منذ انتخابات برلمان عام 1973م، فاقناع أكبر عدد ممكن من الشريحة المحبطة من المجلس النيابي برمته ومن نواب 2006م سيصب في النهاية لصالح المترشحين انفسهم بدلاً من خسارة كتلة تصويتية كبيرة.
الملاحظة الثانية: يلاحظ ان الغالبية العظمى من الذين اعلنوا ترشيح انفسهم او اعلنتهم جمعياتهم السياسية قد بدأوا يتحركون ويعززون اتصالاتهم بأهالي ومجتمعات دوائرهم الانتخابية فقط خلال هذه الفترة ولاسيما من قبل النواب السابقين الذين يزمعون اعادة ترشيح أنفسهم، وهم بذلك يبدون كما لو يراهنون على سذاجة مفترضة للناخب أو عطب في ذاكرته الحية الطرية. في حين كان يفترض وجود المرشحين، سواء من النواب الجدد او من الذين يرشحون انفسهم أول مرة أو أكثر من مرة، في دوائرهم الانتخابية وتواصلهم مع الناس، منذ فترة طويلة استعداداً لمثل هذا اليوم (الموسم الانتخابي). فالفترة المتبقية عن يوم الاقتراع قصيرة جدا ولا تكفي لاستمالة الناخبين نحو هذا المرشح او ذاك المرشح. وينطبق هذا الكلام بوجه خاص على مرشحي الجمعيات السياسية الجدد على اختلاف تياراتها السياسية ولاسيما الوجوه النخبوية المعروفة بضعف صلاتها ببسطاء الناس والقواعد الشعبية حتى لو كانت معروفة لهم في وسائل الاعلام والصحف.
الملاحظة الثالثة: ان الجمعيات السياسية التي قررت ترشيح زعماء جمعياتها تخطئ في ذلك إذ انها بذلك تثقل كاهله جدا فيما لو وصل الى قبة البرلمان، ولا يمكن ان يدرك حجم الاعباء والمهام الملقاة على عضو البرلمان ذي الاحساس بالالتزام والمسؤولية تجاه شعبه إلا من مر بهذه التجربة.
وفي تقديري ان الجمع بين قيادة تنظم سياسي والعضوية النيابية كمن يحاول ان يجمع بين بطيختين كبيرتين في يد واحدة، اللهم حالات استثنائية التي يكون فيها ترشح القائد التنظيمي ضرورة حتمية لضمان فوزه في الدائرة التي سيرشح نفسه فيها وتفادي خسارة كرسي نيابي فيما لو رشح آخر غير مضمون فوزه. حتى في هذه الحالة فإنه يفضل ان يتنحى عن قيادة الجمعية اذا ما فاز في الانتخابات لكي لا يكون انغماسه في المهام والانشطة النيابية المتشعبة داخل البرلمان وخارجه على حساب قيادته التنظيم (الجمعية).
الملاحظة الرابعة: تتصل بمدى توقع وصول المرأة المترشحة الى قبة برلمان 2010م بعد فشلها في انتخابات 2002م وانتخابات 2006م، هذا اذا ما غضضنا النظر عن فوز احداهن بالتزكية وفق تسوية تخريجية وراء الكواليس مسبقة اتاحت لها ذلك وبدعم رسمي غير معلن. فالملاحظ ان المرأة والقوى السياسية التي تقف خلفها وتؤيد بقوة مشاركتها السياسية لم تستفد من التجربتين الانتخابيتين السابقتين للعمل بكل همة ونشاط لخلق وجوه نسائية مقبولة جماهيريا ليلمسوا بقوة كفاءتهن في الوسط الشعبي ذكوراً ونساءً، وهذا يتطلب نضالا تراكميا متواصلا وليس ان يكون تحركا موسميا وليد الساعة والحاجة الانتخابية، ومن ثم يمكن القول ان المزاج والوعي الشعبيين لم يتغيرا البتة باتجاه ايصال المرأة الى البرلمان وان فرص فوزها متدنية جدا.
الملاحظة الخامسة: ان ما ينطبق على المترشحات إلى الانتخابات النيابية اللاتي ظللن بعيدات عن الناس بل عن الساحة السياسية منذ الموسمين الانتخابيين السابقين ينسحب تماماً على فئة التجار، فكما ذكرنا مراراً فإن هذه الفئة لن تضمن ايصال وجوه تمثلها في المجلس النيابي على طريق سهل مرصوف سالك، بل ان الامر بحاجة – كما المرأة وكما كل مرشح – الى عمل مضن تراكمي شاق وبخاصة اذا علمنا بأن الدوائر الانتخابية ليست مفصلة على طبقة او فئة اجتماعية محددة بل معظمها يتكون من خليط من الطبقات والشرائح الاجتماعية، وهذا للأسف ما لم تعمل عليه الجهات المعنية بمصالح رجال الاعمال مسبقا بوقت طويل كاف مما يضعف فرص فوز وجوه ممثلة تمثيلاً كاملاً لهذه الفئة.
ولربما الاكثر واقعية للتجار لو دعموا وجوهاً ليبرالية قريبة بقدر أو بآخر من مصالحهم.
صحيفة اخبار الخليج
2 اغسطس 2010