منذ أن دخلنا مرحلة الإصلاح السياسي وولج معنا التاريخ البحريني ردهة سياسية جديدة ’ وجدنا خطابا سياسيا غريبا يترافق مع مسيرة الجمعية الدينية التي تحاول تسييس أمورها وتسييس الأمور الأخرى على هواها ’ وتوزع المفردات كيفما تشاء وتصرح بروح من الاستعلاء والغطرسة الخفية تارة والمعلنة تارة أخرى . نتذكر خطاباتها في الشهور الأولى من الإصلاح ثم الميثاق ’ حيث امتلأت القاعات زعيقا وتلويحا باستحقاقات وملفات نراها هذه الأيام متلكئة ومنسية بل ومستعدة أن تساوم عليها في الأروقة الخفية. واصلت تلك الجمعية مسيرتها السياسية برداء متلون ’ فلكي لا تتهم بالطائفية منذ بريقها ’’ الخارجي اللندني ’’ لجأت إلى مغازلة المعارضة الوطنية ذات الصبغة اليسارية (التحرير والشعبية) بل وتنقلت الأدبيات والمنشورات من هياج اللغو الطائفي إلى عبارات جديدة قدمها المستشار السياسي ’ حيث وجدنا مفردة العصيان المدني تضاف إلى خطاب طائفي لا يبتعد عن مفردات – لاتزال حتى هذه الأيام جزءا من مفهومه كعبارات الاستيطان والغزو – لم تستوعب هذه المعارضة العرجاء أنها ماعادت مقبولة للطائفة أولا وللشعب البحريني أخيرا ’ فهناك رؤى متعددة وتغير في المسار السياسي للسلطة وتنوع وتبدل في الوضع العالمي الجديد ’ حيث الديمقراطية وحقوق الإنسان صارت في أولويات العالم المعاصر دون أن تغفل الأمور الأخرى ’ فصارت المعارضة اللندنية متعلقة بوهم تلك المفاهيم في الخارج مثلما ’ تعلقت بعض أذيالها في الداخل بخطاب العنف والفوضى المقارب لنهج الإرهاب ’ فلا توجد معارضة عاقلة تصب سخطها على محطات كهربائية هي في الأساس ملك عام للناس. وسواء وافقت أم لم توافق هكذا معارضة ’ وفاقيون وغير وفاقيين’ فان نتيجة التربية السياسية السابقة والحالية المستمرة ’ تساهم في تأليب الصبية والشبان بأجندة تسعدها كونها وضعت على صدرها ’’ وشاح المعارضة من الدرجة الرفيعة !’’ .
لم نقل شيئا حول تلك الأوسمة العليا من التصنيفات السياسية ’ والتي أسعدت رفاقنا القدماء من الجبهة الشعبية وصغارهم الجدد الذين اتشحوا بهذا الرداء ’ الذي ربما أوهمهم بأنهم سياسيون من الطراز الرفيع طالما منح نفسه لقب معارضة وأخرى موالية .
كان هذا التصنيف يوازي تصنيفات أخرى وتفسيرات عدة ’ من ضمنها نهج المقاطعة النيابية فهي تليق بروح المعارض فيما الموالون يشاركون ’ وجدنا ذلك الخطأ والفاجعة متجليا مرة أخرى كون المشاركين من المعارضة السابقة ما قبل المشروع الإصلاحي أيضا وطنيين ’ ليس بفعل الوشاح الممنوح من الوفاق وإنما ممنوح من حركة التاريخ كواقع يضاهي قوة الحقيقة ’ ولكن ما حدث هو العكس تحول الوفاق أثناء المقاطعة إلى وطنيين ومعارضين وصرنا نحن موالون منزوعا منهم ’’ دسم الوطنية ’’ لكي نتناسب والرجيم السياسي للإخوة في الوفاق وغيرهم .
لا احد يحتاج لتشخيص الحقيقة فهي موجودة وقائمة ’ والمفردات الحماسية لا يمكنها إخفاء وجه تلك الحقيقة طالما إن الوطنية صك تاريخي لا تمنحه المرجعيات على هواها ’ فهي خارج سطوتها الدينية وحالة هوسها السياسي الغريب في الإفصاح عن مفردات التأثيم ’ فنجد أنفسنا أشبه بمحاكم تفتيش قديمة منحت المؤمنين خارج نطاق الكنيسة صكوك الغفران.
بتنا نحن بين الغفران والتأثيم نواجه تلامذة صغاراً في عالم السياسة ’ فبعد ان انخرطوا بعد المقاطعة في اللعبة السياسية البرلمانية ’ وبرهنوا على كونهم صغارا في تكتيكات هذه اللعبة ’ وتمترسوا خلف ممارسات ازدواجية كثيرة ’ ابتداءً من فرض استبدادية النص في البيانات السياسية المشتركة (سداسية ورباعية وثلاثية وغيرها ) وانتهاء بصمت مطبق عن قضايا كثيرة تفصح عن هويتهم الحقيقية المحلية والإقليمية والعالمية ’ فالانتقائية من طبيعة الوفاق ’ فهي تصمت عندما ترى نفسها متورطة وتفصح عندما تريد أن تكون قوة ’’ إيمانية ’’ مثل كتلتها السياسية التضليلية شعار يدغدغ المواطن العادي في الطائفة ’ ولكنها تخجل من تسمية نفسها ’’ الكتلة الوطنية ’’ فذلك لا يعني لقاموسها الفكري أي معنى ولا يهم أن تستبدل الإيمانية بالوطنية قدر زبدها وانفعالاتها حينما لا تجد نفسها في خانة ’’ وشاح الوطنية ’’ متوهمة إن مفردة الوطنية بضاعة عامة بالإمكان ابتياعها من صيدلية سياسية في طرف المدينة أو خلف بوابة جمعية الدعوة ’ التي لم تكن ذات يوم ترفع شعار الوطنية ’ وهي التي انبثقت من تحت أرديتها ووشاحها تسميات كثيرة مثل الأحرار وجبهة التحرير الإسلامية الخ ولكنها لم تفكر ذات يوم أن تكون حاملا لمضمون النضال الوطني ولا الوطنية بمعناها السياسي وليس اللغوي والأدبي كما نراها في مفرداتنا اليومية والشعبية على مطعمنا الوطني وفريقنا الوطني وكل امر وطني بما فيه الصناعة المحلية وسنعرج عليها للتدليل عن تلك الفروقات الواضحة ما بين المصطلح اللغوي والسياسي والتاريخي للوطنية ضمن إطار مرحلة حركات التحرر الوطني ’ والذي جاء في مرحلة عبرتها بلادنا وخرجت منها منذ لحظة نيلها الاستقلال السياسي وصارت عضواً في الأمم المتحدة ’ وأعقبتها خطوات كثيرة كولادة الدستور والبرلمان الأول .
لم تقل لنا عندما قررت الوفاق وتوابعها ’(ليسمح لي الإخوة في وعد أن أصفهم بعبارة توابعها ) في خطاب تاريخي نقدي يدين المقاطعة السابقة ويؤيد المشاركة في عام 2006 وها هم يستعدون للانتخابات القادمة ’ إنما وجدنا تبريرات سياسية واهنة لأسباب المشاركة مثلها مثل التبريرات الواهنة للمقاطعة ’ وكل ما فعلته الوفاق ووعد أنها تعلمت خطابا ديمقراطيا شكليا عن إن المشاركة والمقاطعة تمر من بوابة الاجتماعات والتصويت الداخلي ’ وهذا في الواقع لا يعكس ديمقراطية حقيقية وإنما أزمة داخلية فكرية وسياسية أكثر من وجود وحدة حزبية متماسكة قناعاتها ثابتة بمسألة مبدأيه المشاركة في كل الأحوال طالما إن العملية الديمقراطية ستكون حقيقة ثابتة ’ لا يجوز التشكيك بمصداقيتها ولا أيضا التلاعب بها من خلال لعبة الابتزاز السياسي والرسائل المرسلة تحت عنوان ’’ لمن يهمه الأمر ’’ تعالوا فاوضونا لكي نسحب تهديداتنا بالمقاطعة ’ متناسية تلك العقول مجرى العملية السياسية في البلاد ’ وكيف تتحرك الأوراق .
ما بين 2006-2010 راقب الجميع أداء النواب والمجلس ’ والعلاقة المتقلبة بين الجمعيات خارجه ’ ومدى الارتباط السري بين رحم المرجعية الأم بالوفاق الابن ’ بل صار لدى المرجعية أبناء منقسمون خرجوا من بيت الرحم نفسه ’ وتستقي أبويتها من المصدر ذاته بعصيان مكتوم ومرتجف ’ يخشى مواجهة المرجعية بالشارع والعكس ’ حيث العقل الجمعي للطائفة ’ معلن وغير معلن ’ لم يرفض تاريخيا عملية الفصل النهائي بين الدور الديني والسياسي لمثل تلك الشخصيات ’ الفرق بين دورها الديني الروحي والسياسي المادي ’ حيث التجربة الإيرانية صارت مرجعا أعلى لتلك الشخصيات وذلك الوعي الجمعي للطائفة .
لا يوجد نقد لتلك الممارسات يرقى للمواجهة المعلنة لا وسط رجل الشارع ولا كتلة مثقفين وشرائح أخرى تشكل قوة اقتصادية ومالية وتجارية ’ الجميع دخل لعبة المهادنة غير المعلنة ’ وأحيانا التواطؤ المكشوف لحظة صدام المصالح والرغبات. فهل نقبل بكل الوصايا الوفاقية ونذعن للطاعة أم نعلن بصوت مسموع مختلف لقد حان وقت فك الارتباط السياسي والذي قلناه مرارا وتكرارا وليس فقط لكونهم الآن يستشعرون خطر مفردات الوطنية في دائرة انتخابية ساخنة يدخلها الأمين العام للمنبر التقدمي ’ ابن الشعب أولا وأخيرا قبل أن يكون ابن الطائفة الذي ظل يقاتل عن مشروع الوحدة الوطنية منذ نعومة أظفاره حتى هذه اللحظة . نكمل معنى مصطلح الوطني ومفهومه لذوي الأمر في الوفاق .
صحيفة الايام
1 اغسطس 2010