جميل أن يكون لدينا هنا في البحرين متابعات دورية وأرقام واستعراض لجملة النجاحات أو الإخفاقات التي يمر بها وضعنا الاقتصادي بصورة عامة، والأجمل منه أن تكون تلك التقارير تحمل في ثناياها الطموح والأمل لغدأفضل، بما يدلل على جدية التوجهات الرسمية المعلنة للخروج تدريجيا من حالة الانكفاء على الذات واعتماد أكثر الوسائل نجاعة في معالجة أوضاعنا الاقتصادية نحو تحقيق قفزات اقتصادية منتظرة. ذلك ما يمكن للمرء والمتابع الجاد تحديدا قراءته في مضمون التقرير السنوي الأول الذي دشنه مجلس التنمية الاقتصادية مؤخرا تحت عنوان “ نحو مستقبل أفضل” وهو عنوان نعتقد أنه يبعث على التفاؤل بالنظر إلى ما تمر به دول المنطقة والعالم من انعكاسات سلبية بسبب حالة الاقتصاد العالمي والشكوك التي تحوم حول إمكانية الخروج منها سريعا.
لا أريد أن أتوقف كثيرا عند تلك الأرقام التي تتحدث عن مؤشرات، من بينها ما يرتبط بنمو إجمالي الناتج المحلي للمملكة بنسبة تفوق 70% خلال السنوات العشر الأخيرة، أو الحديث حول بوادر تعافي الاقتصاد الوطني منذ نهاية 2009، أو كبح معدلات التضخم عند حدود 2%، أو توقعات ارتفاع معدل النمو تدريجيا ليصل إلى 5,5% بحلول 2012، أو حتى ارتفاع الإنتاج الصناعي إلى نحو 80% خلال السنوات الخمس الأخيرة، فكلها أرقام ومؤشرات يجب أن يمتلك مجلس التنمية الاقتصادية القدرة على الدفاع عن صحتها، سواء ما تم منها بالفعل أو ما هو متوقع خلال الفترة الزمنية المتبقية من عمر الإستراتيجية الاقتصادية الوطنية المستمرة حتى 2014، لكنني أعتقد أن التحدي الأبرز أمام تلك الإستراتيجية، ربما يكمن في حجم انعكاسات الاقتصاد العالمي السلبية على اقتصادنا الوطني، وكيفية الخروج منها، حين يصبح لا عزاء للقائمين على وضع تلك الإستراتيجية سوى إثبات ما لديهم من قدرات وإبداعات على الإتيان بمبادرات فاعلة تتخطى ما هو قائم حاليا، حيث إن حجم التحدي يحتاج إلى خطوات عملية تتعدى استقطاب 40 شركة عالمية للاستثمار في البحرين ، وإن كنا لا نقلل من تلك الجهود المخلصة بطبيعة الحال، حيث يستطيع اقتصادنا الوطني بدقة التخطيط والإصرار على النجاح أن يحتل موقعا تنافسيا مهما على مستوى المنطقة، فقط لو اهتدينا إلى ما نريد، وهناك بوادر جادة على هذا الطريق كما أعتقد لعل أهمها الاتجاه نحو تحسن نوعية مخرجات التعليم والانتباه لقضايا تتعلق بالإنتاجية وتوظيف العاطلين وتقييد نمو العمالة الأجنبية وزيادة الأجور، ويجب الاستفادة مما تم عرضه خلال التقرير من بعض الحقائق التي تؤشر على مواقع خلل هيكلي مزمن في بنية الاقتصاد الوطني، تمنينا لو أخبرنا التقرير بالتوجه نحوها للتغلب عليها أو تطويعها، وارى في هذا المجال انه لا يجب التسليم فقط بما تعرضه بعض بيوتات الخبرة العالمية من نصائح، معظمها ربما يكاد يكون جاهزا ، بحيث لا يمكن ضمان نجاعته في التعاطي بنجاح مع ما يعترض مسيرتنا الاقتصادية من مصاعب وصولا لتحقيق تلك الخطوات المأمولة للانطلاق بقوة، فبعض تلك النصائح تحوم حولها مآخذ عدة، فإعادة هيكلة بعض القطاعات على سبيل المثال لا يمكن مثلا أن تختزل في مجرد اللجوء لحلول الخصخصة، دون إجراء حسابات ذات طابع يستند للمصالح الوطنية بالدرجة الأولى.
وعلى الرغم مما استعرضه التقرير من تحديات تعترض طريق التنمية لدينا، ومن بينها التحديات الديموغرافية ومخرجات التعليم والتحديات المالية، وتحديات الدين العام للدولة، الذي توقف التقرير عند انخفاضه فقط مع نهاية العام 2008، دون أن يتحدث عن دوافع ارتفاعه ابتداءً من 2009! كما أن إرجاع تنامي العجز المالي غير النفطي إلى سبب واحد ووحيد وهو ارتفاع الإنفاق الحكومي الذي وصل بحسب التقرير إلى 29% ، وكذلك ضرورة إعادة رسم السياسة المالية والنقدية للدولة دون مجرد استحسان بقاء ذات التوجه القديم بالاحتكام لسياسة الارتباط بالدولار دون إجراء مراجعات جادة من قبل المصرف المركزي والقائمين على رسم السياسات النقدية لدينا.
وبقدر ما نغتبط لوجود تقارير تتحدث بشيء من الوضوح حول واقع اقتصادنا الوطني وتوجهاته المستقبلية، إلا أننا حتما سنظل متابعين وراصدين لجدية خطوات الإصلاح الاقتصادي، وإذا كان عرض التقارير والحقائق على درجة مهمة، فالأهم من كل ذلك هو ما سيتلو تلك التقارير من خطوات ومعالجات نأمل أن تأخذ مداها بجدية وإصرار لأننا ببساطة نعتقد أن أمام اقتصادنا فرصا للنجاح يجب أن لا تضيع.
صحيفة الايام
28 يوليو 2010