تلوحُ الضربة العسكرية الأمريكية لإيران في ثنايا الاستعدادات السياسية الجارية التكتيكية على مستوى منطقة الشرق الأوسط، فهنا ليست العقوبات هي التي في مقدمة مسرح الصراع، بل تمزيق كل عرى النظام العسكري الإيراني بحلفائه الواضحين المعلنين وبحلفائه المتوارين والذين يشتغلون بهمة من أجله كذلك.
وتتوجه سياسة أمريكا بهذا الشأن إلى السطوح الخارجية لتضاريس السياسة في المنطقة، كربط الحلفاء باستراتيجية دفاع عسكرية قوية، والمشاركة في نظام العقوبات، بل الحصار البحري كذلك.
أما الحليف الإسرائيلي المرتبط بشكل أعمق بهذه الاستراتيجية فهو يدخلُ كشريكٍ مباشر في أيِ عملية هجومية نظراً لهذا الترابط الذي هو إحدى مشكلات المنطقة الكبرى.
أشار وزير الدفاع الأمريكي:
(إلى أنه يعلم بأن مظلة الأمن بدأت تُقام أو تُشيد بالنسبة إلى دول الخليج العربي بسبب ردة فعل الاهتمام والتطور السريع لبرنامج إيران النووي).
ويضيف: (ونحن قد طورنا العلاقات الأمنية مع معظم دول الخليج العربي الآن ولعدةِ سنين، كالدفاع الصاروخي والجوي والاستطلاع البحري رغم شكوك السعودية حول الحصار وتأثيره على نظام طهران).
إذًا إن الخيار العسكري موجود كحل أخير ومرتب له، وكذلك تجرى عمليات تغيير على تلك السطوح من القشرة السياسية، أهمها عملية الانسحاب من العراق، وتغيير سوريا باتجاه الانفكاك عن التحالف مع إيران، وحل القضية الفلسطينية بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة التي لا ترى النور أبداً، وقيام العديد من الأنظمة في المنطقة بتحسين صورها السياسية الشمولية وإعطاء الجمهور بعض مستويات المعيشة المفقودة في بلدان يسيل فيها النفط.
لكن العقدة السياسية الإيرانية لا تحل كذلك بمثل هذه الأعمال العسكرية والسياسية المختلفة، فهي عقدة خطيرة كبرى خارج السيطرة، ولها قدراتها الداخلية العسكرية الكبيرة وجمهورها المؤيد في بعض دول المنطقة.
الأخطاء الأمريكية السياسية السابقة تجاه إيران تبرز الآن بقوة هائلة، ولم تزل متصلبة حتى في مرونتها الأخيرة، فيجب أن نعي بأن النظام الديني – العسكري الشمولي هو من نتاج السياسة الأمريكية على مدى أكثر من نصف قرن، لكن السياسيين الأمريكيين الحاليين لا يريدون الاعتراف بهذه الأخطاء وإصلاحها.
كان ثمة إمكانية كبيرة لذلك تم اختطافها بسياسة العقوبات، وغلب عنصر الكبرياء المتحدي على العقلانية السياسية، مثل تحسين العلاقات والإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة، والاعتراف بالأخطاء السابقة والاعتذار عنها، والكف عن التدخل في الشؤون الإيرانية، وإقامة صلات وحوارات سياسية غير مباشرة ومباشرة بعد تلك الخطوات السابقة.
إن امتلاك السلاح النووي لأي دولة يعني عدم قدرتها على المضي بسياسة الحروب.
في حين أن العكس صحيح، فيغدو الوضع الراهن أخطر وأحفل بالكوارث من امتلاك السلاح النووي، الذي هو موجود لدى دول عديدة في المنطقة كالهند والصين وروسيا وإسرائيل وباكستان وكوريا الشمالية.
إن عملية الثأر الأمريكية من إيران والخصومة – العقدة التاريخية منها، والتحديات الحادة التي تقذفها السياسية الإيرانية في وجه المخططات الغربية الوحيدة الجانب، هي كلها تصنع قصر نظر على عيون السياسة الأمريكية، وتوجهها للخصومة الشديدة فقط. وهو أمرٌ يؤدي إلى المزيد من المشكلات الاقتصادية والسياسية داخلها وفي الخارج. إنه من أكبر الأسباب في تفاقم الأزمة المالية العالمية، حيث تلتهم شركاتُ السلاح أغلب الموارد.
وحتى لو أننا افترضنا جدلا وقوع حرب مأساوية وكارثية بكل المقاييس، فلن يؤدي ذلك إلى هزيمة النظام الإيراني، وربما كان العكس هو الصحيح، وتتلقى السياسة الأمريكية هزائم مريرة وكوارث لا تتوقعها، وهو أمرٌ سوف يفاقم أوضاعها وتردي مكانتها.
وحتى الآن لا تمتلك السياسة الأمريكية مقاربة واضحة وبسيطة للعالم الإسلامي، فهو مغاير لكل من تعاملت معهم، ويتلخص في التعامل بقوة مع إسرائيل واحتلالها وغطرستها في المنطقة، وترك الشعوب تشكل طرق تطورها بنفسها، أما بغير ذلك فستجد نفسها في حالات استنزاف تاريخية عسكرية في أمكنة كثيرة تؤدي إلى سقوطها عالمياً كقوة أولى.
صحيفة اخبار الخليج
23 يوليو 2010