إن إمكانية سقوط نظام اجتماعي بالعقوبات هي مسألةٌ خيالية، ولا يمكن أن تؤدي العقوبات إلا إلى مزيد من الضرائب والصعاب الاقتصادية على الجمهور الإيراني العادي، فيما الطبقة الحاكمة بجناحيها الكبيرين المتصارعين خارج هذه المعاناة.
فيما لا تؤدي مثل هذه الضغوط على الشعب العامل إلى أن يخرج مناهضا للنظام، فرأسمالية الدولة الشرقية الشمولية المُدعمة في إيران بنظام جماهيري ديني، ووجود قنوات عديدة للصراع السياسي، تؤدي إلى نتائج معاكسة وهي التفاف الجمهور أكثر حول النظام، بسبب تأجج المشاعر الوطنية والتصور بأن العقوبات هي محاولة لتكسير إرادة الأمة.
كما أن أكبر بلد يقود نظام العقوبات وهو الولايات المتحدة علاقاتها الاقتصادية ضئيلة مع إيران، فكيف يمكن أن ينجح مثل هذا النظام؟
وبسبب ذلك فعلى النظام الاقتصادي الأمريكي أن يدفع إلى الدول الأخرى أثمان مقاطعتها ويوفر لها البديل الاقتصادي للخسائر الهائلة التي تتعرض لها بسبب الدخول في نظام العقوبات، وهذا يؤدي إلى مشاكل اقتصادية لهذه الدول وخسائر تتحملها الشعوب.
نلاحظ ذلك في التحول في السياسة التركية من دعم الخيار النووي الإيراني إلى المشاركة في نظام العقوبات، فتحولت مشروعات ضخمة إيرانية مقدمة لتركيا إلى دول غيرها.
(وبسبب هذا حصل الحرس الإيراني من وزارة النفط الإيرانية عبر شركة (خاتم الأنبياء) الذراع الاقتصادي للحرس الثوري لتنفيذ مشاريع نفطية وغازية بـ10 مليارات دولار، لتأهيل أكبر مشروع يتعلق بمراحل التطوير الثلاث لحقل الغاز العملاق “فارس الجنوبي” في الخليج العربي، بدلا من الشركة التركية للاستثمارات النفطية التي اسُتبعدت من الصفقة).
وبطبيعة الحال هنا تتداخل مسائل الصراعات السياسية الإقليمية بين الدول الإسلامية للأسف مع الصراعات العالمية، ويحدث صراع بين الدورين الإيراني والتركي في المنطقة، ويخسر الجانبان.
والصين في حالة تردد كبيرة للانضمام إلى نظام العقوبات، فهي من أكبر الدول ذات العلاقات الاقتصادية القوية مع إيران: (وحتى عام 2003 استوردت الصين 13 في المائة من احتياجاتها النفطية من إيران، وفى العام الذي تلاه وقعت الصين عقدا مع إيران لتوريد الغاز بقيمة تتعدى 100 مليار دولار، وهو ما أطلق عليه “صفقة القرن”).
إن القيادة العسكرية الإيرانية تتحمل بشكل خاص مسئولية جر المنطقة لكارثة محققة بسبب هذا السلوك الشمولي، وتفردها يقود إلى مزيد من النفوذ الاقتصادي، والهيمنة السياسية، عبر هذا التحكم في الكثير من المؤسسات القديمة والجديدة ذات الطابع الاقتصادي التقني الخطير، مثل المشروعات النفطية العملاقة.
إن إيجاد التوتر السياسي بين إيران والعالم يصب في مصلحة الحرس الإيراني وهو يؤججه بسبب ذلك، فهي مؤسسات عسكرية دخلت الاقتصاد وخيراته الكبرى، وتريد أن تتشبث بها، وتوجد مبررات الصراعات والتوترات، ومن هنا تحيل العقوبات إلى هيمنة بوليسية كذلك على الشعب وتعسكرُ النظامَ بشكل متزايد.
هنا نتذكر كيفية تصعيد النظام العراقي السابق للأزمات وجعل الحرس الجمهوري يلعب الدورين العسكري والاقتصادي، عبر التحايل على نظام العقوبات، واستغلاله المزيد من المكاسب والنفوذ.
هيمنة العسكر المطلقة وتدهور حياة الجمهور وتمزيق البلدان ونشر الفوضى والخراب في بلدان المنطقة، هذه هي ثمارُ الاستكبار العسكري النخبوي.
أي أن نظام العقوبات ينقلب كذلك ضد مصلحة الشعب الإيراني، ويقوي ضده هذه المؤسسات القوية المتنفذة، مع عدم وجود معارضة شعبية واسعة مؤثرة في عملية التغيير، وليس فقط في الاحتجاج المفيد كذلك.
أي أن نظام العقوبات ينقل الوضع إلى حافة المواجهة، العسكرية الخطرة في الخليج، ويعرض شعوبه لأخطار فادحة إذا تحول إلى مواجهة عسكرية عبر هذه الاحتكاكات اليومية المستمرة بين القطاعات العسكرية المتداخلة، ولغات الشحن والصراع، وخاصة أنها تتم مع تحركات سياسية واسعة النطاق، وزيارات ولقاءات ومؤتمرات وإحتجاجات وتحولات في المواقف متداخلة مع جبهة المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية، الوجه الآخر لأزمة السلاح النووي الإيراني.
ليس ثمة بديل عن نظام العقوبات السلمي لكنه نظام غير مؤثر باتجاه إيجابي بل باتجاه سلبي خطر.
وعلينا أن نقرأ الوضع بدقة لا أن نتخيل ونحلم فقط.
صحيفة اخبار الخليج
21 يوليو 2010